ويتمسك أتباعهم بدينهم ، وإن فقدوا بموت أو قتل. وقيل : الإنكار لجعلهم خلوّ الرسل قبله سببا لانقلابهم بموته أو قتله. وإنما ذكر القتل مع علمه سبحانه أنه لا يقتل : لكونه مجوّزا عند المخاطبين. قوله : (وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ) أي : بإدباره عن القتال ، أو بارتداده عن الإسلام (فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً) من الضرر ، وإنما يضرّ نفسه (وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) أي : الذين صبروا وقاتلوا واستشهدوا ، لأنهم بذلك شكروا نعمة الله عليهم بالإسلام. ومن امتثل ما أمر به فقد شكر النعمة التي أنعم الله بها عليه. قوله : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) هذا كلام مستأنف ، يتضمّن الحثّ على الجهاد ، والإعلام بأن الموت لا بدّ منه. ومعنى : (بِإِذْنِ اللهِ) : بقضاء الله وقدره ، وقيل : إن هذه الجملة متضمنة للإنكار على من فشل بسبب ذلك الإرجاف بقتله صلىاللهعليهوسلم ، فبين لهم : أن الموت بالقتل أو بغيره منوط بإذن الله ، وإسناده إلى النفس مع كونها غير مختارة له : للإيذان بأنه لا ينبغي لأحد أن يقدم عليه إلّا بإذن الله. وقوله : (كِتاباً) مصدر مؤكد لما قبله ، لأن معناه : كتب الله الموت كتابا ، والمؤجل : المؤقت الذي لا يتقدم على أجله ولا يتأخر. قوله : (وَمَنْ يُرِدْ) أي : بعمله (ثَوابَ الدُّنْيا) كالغنيمة ونحوها ، واللفظ يعمّ كل ما يسمى ثواب الدنيا ، وإن كان السبب خاصا (نُؤْتِهِ مِنْها) أي : من ثوابها ، على حذف المضاف (وَمَنْ يُرِدْ) بعمله (ثَوابَ الْآخِرَةِ) وهو الجنة ، نؤته من ثوابها ، ونضاعف له الحسنات أضعافا كثيرة (وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) بامتثال ما أمرناهم به كالقتال ، ونهيناهم عنه كالفرار وقبول الإرجاف. وقوله : (وَكَأَيِّنْ) قال الخليل وسيبويه : هي : أي ، دخلت عليها كاف التشبيه ، وثبتت معها ، فصارت بعد التركيب بمعنى : كم ، وصوّرت في المصحف نونا ، لأنها كلمة نقلت عن أصلها فغير لفظها لتغيير معناها ، ثم كثر استعمالها فتصرّفت فيها العرب بالقلب والحذف ، فصار فيها أربع لغات قرئ بها : أحدها : كائن ، مثل : كاعن ، وبها قرأ ابن كثير ، ومثله قول الشاعر :
وكائن بالأباطح من صديق |
|
يراني لو أصبت هو المصابا |
وقال آخر :
وكائن رددنا عنكم من مدجّج |
|
يجيء أمام الرّكب يردى مقنّعا (١) |
وقال زهير :
وكائن ترى من معجب لك شخصه |
|
زيادته أو نقصه في التّكلّم |
وكأين : بالتشديد ، مثل : كعين ، وبه قرأ الباقون ، وهو الأصل. والثالثة : كأين ، مثل : كعين مخففا. والرابعة : كيئن ، بياء بعدها همزة مكسورة ، ووقف أبو عمرو بغير نون ، فقال : كأي ، لأنه تنوين ، ووقف
__________________
(١). يردى : يمشي الرّديان ، وهو ضرب من المشي فيه تبختر.
والمقنّع : الذي تقنّع بالسّلاح ؛ كالبيضة والمغفر.