الذاتي ، أعني : كونها قرآنا ؛ والوصفي أعني : الجهر بها عند الجهر بقراءة ما يفتتح بها من السور في الصلاة. ولتنقيح البحث والكلام على أطرافه استدلالا وردّا وتعقبا ودفعا ورواية ودراية ، موضع غير هذا. ومتعلّق الباء محذوف وهو أقرأ أو أتلو لأنه المناسب لما جعلت البسملة مبدأ له ؛ فمن قدّره متقدما كان غرضه الدلالة بتقديمه على الاهتمام بشأن الفعل ، ومن قدّره متأخرا كان غرضه الدلالة بتأخيره على الاختصاص مع ما يحصل في ضمن ذلك من العناية بشأن الاسم ، والإشارة إلى أن البداية به أهمّ لكون التبرك حصل به ، وبهذا يظهر رجحان تقدير الفعل متأخرا في مثل هذا المقام ، ولا يعارضه قوله تعالى (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) (١) لأن ذلك المقام مقام القراءة ، فكان الأمر بها أهمّ ، وأما الخلاف بين أئمة النحو في كون المقدر اسما أو فعلا فلا يتعلق بذلك كثير فائدة. والباء للاستعانة أو المصاحبة ، ورجّح الثاني الزمخشري. واسم أصله سمو حذفت لامه ، ولما كان من الأسماء التي بنوا أوائلها على السكون زادوا في أوّله الهمزة إذا نطقوا به لئلا يقع الابتداء بالساكن ، وهو اللفظ الدالّ على المسمى ؛ ومن زعم أن الاسم هو المسمى كما قاله أبو عبيدة وسيبويه والباقلاني وابن فورك ، وحكاه الرازي عن الحشوية والكرامية والأشعرية فقد غلط غلطا بينا ، وجاء بما لا يعقل ، مع عدم ورود ما يوجب المخالفة للعقل لا من الكتاب ولا من السنة ولا من لغة العرب ، بل العلم الضروري حاصل بأن الاسم الذي هو أصوات مقطعة وحروف مؤلفة غير المسمى الذي هو مدلوله ، والبحث مبسوط في علم الكلام. وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة : «إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة». وقال الله عزوجل : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها) (٢) وقال تعالى (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى). والله علم لذات الواجب الوجود لم يطلق على غيره ، وأصله إله حذفت الهمزة وعوّضت عنها أداة التعريف فلزمت. وكان قبل الحذف من أسماء الأجناس يقع على كل معبود بحق أو باطل ، ثم غلب على المعبود بحق ، كالنجم والصعق ، فهو قبل الحذف من الأعلام الغالبة ، وبعده من الأعلام المختصة. و (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) : اسمان مشتقان من الرحمة على طريق المبالغة ، ورحمن أشد مبالغة من رحيم. وفي كلام ابن جرير ما يفهم حكاية الاتفاق على هذا ، ولذلك قالوا : رحمن الدنيا والآخرة ، ورحيم الدنيا. وقد تقرّر أن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى. وقال ابن الأنباري والزجاج : إن الرحمن عبراني والرحيم عربي وخالفهما غيرهما. والرحمن من الصفات الغالبة لم يستعمل في غير الله عزوجل. وأما قول بني حنيفة في مسيلمة : رحمان اليمامة ، فقال في الكشاف : إنه باب من تعنتهم في كفرهم. قال أبو عليّ الفارسيّ : الرحمن اسم عام في جميع أنواع الرحمة يختص به الله تعالى ، والرحيم إنما هو في جهة المؤمنين ، قال الله تعالى (وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) (٣) وقد ورد في فضلها أحاديث. منها ما أخرجه سعيد بن منصور في سننه وابن خزيمة في كتاب البسملة والبيهقي عن ابن عباس قال : استرق الشيطان من الناس أعظم آية من القرآن : بسم الله الرحمن الرحيم. وأخرج نحوه أبو عبيد وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عنه أيضا. وأخرج الدارقطني بسند ضعيف عن ابن عمر أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «كان جبريل إذا جاءني بالوحي أوّل ما يلقي عليّ بسم الله الرحمن الرحيم». وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره والحاكم في المستدرك ، وصحّحه البيهقي في شعب الإيمان
__________________
(١). العلق : ١.
(٢). الأعراف : ١٨٠.
(٣). الإسراء : ١١٠.