وغيرهم من حديث جابر. وقد روي هذا المعنى عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم من طريق جماعة من الصحابة ، منهم : رافع ابن خديج عند مسلم وغيره ، ومنهم : أبو قتادة عند أحمد ، ومنهم : أنس عند الشيخين ، ومنهم : أبو هريرة عند مسلم ، ومنهم : عليّ بن أبي طالب عند الطبراني في الأوسط ، ومنهم : أسامة عن زيد عند أحمد والبخاري ، ومنهم : عائشة عند البخاري ، وثبت عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إنّ الله حرّم مكّة يوم خلق السّموات والأرض وهي حرام إلى يوم القيامة» وأخرجه البخاري تعليقا ، وابن ماجة من حديث صفية بنت شيبة. وأخرجه الشيخان وغيرهما من حديث ابن عباس. وأخرجه الشيخان وأهل السنن من حديث أبي هريرة ، وفي الباب أحاديث غير ما ذكرنا ، ولا تعارض بين هذه الأحاديث ، فإن إبراهيم عليهالسلام لما بلغ الناس أن الله حرّمها ، وأنها لم تزل حرما آمنا ، نسب إليه أنه حرّمها ، أي : أظهر للناس حكم الله فيها ، وإلى هذا الجمع ذهب ابن عطية وابن كثير. وقال ابن جرير : إنها كانت حراما ؛ ولم يتعبد الله الخلق بذلك حتى سأله إبراهيم ؛ فحرّمها وتعبدهم بذلك. انتهى. وكلا الجمعين حسن. وقد أخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن محمد بن مسلم الطائفي قال : بلغني أنه لما دعا إبراهيم للحرم فقال : (وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ) نقل الله الطائف من فلسطين. وأخرج نحوه ابن أبي حاتم والأزرقي عن الزهري. وأخرج نحوه أيضا الأزرقي عن بعض ولد نافع ابن جبير بن مطعم. وقد أخرج الأزرقي نحوه مرفوعا من طريق محمد بن المنكدر. وأخرج أيضا عن محمد بن كعب القرظي قال : دعا إبراهيم للمؤمنين وترك الكفار ولم يدع لهم بشيء ، قال الله : (وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ) الآية. وأخرج نحوه سفيان بن عيينة عن مجاهد. وأخرج ابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله : (مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ) قال : كأنّ إبراهيم احتجرها على المؤمنين دون الناس ، فأنزل الله : (وَمَنْ كَفَرَ) أيضا فأنا أرزقهم كما أرزق المؤمنين ؛ أخلق خلقا لا أرزقهم! أمتعهم قليلا ثم اضطرهم إلى عذاب النار ، ثم قرأ ابن عباس : (كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ) (١) الآية. وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال : قال أبيّ بن كعب في قوله : (وَمَنْ كَفَرَ) أن هذا من قول الربّ. وقال ابن عباس : هذا من قول إبراهيم يسأل ربه أن من كفر فأمتعه قليلا. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : القواعد : أساس البيت ، وأخرج أحمد ، وعبد بن حميد ، والبخاري ، وابن جرير ، وغيرهم عن سعيد بن جبير قصة مطوّلة وآخرها في بناء البيت : قال : فعند ذلك رفع إبراهيم القواعد من البيت ، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة ؛ وإبراهيم بيني ؛ حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له ، فقام عليه وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة ، وهما يقولان : (رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ). وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ) قال : القواعد التي كانت قواعد البيت قبل ذلك. وقد أكثر المفسرون في تفسير هذه الآية من نقل أقوال السلف في كيفية بناء البيت ، ومن أي أحجار الأرض بني؟ وفي أي زمان عرف؟ ومن حجّه؟ وما ورد فيه من الأدلة على فضله ، أو فضل بعضه بالحجر الأسود. وفي الدرّ المنثور من ذلك ما لم يكن في غيره فليرجع إليه ، وفي تفسير ابن كثير بعض من ذلك ، ولما لم يكن ما ذكروه متعلقا بالتفسير لم نذكره. وأخرج ابن أبي حاتم عن سلام بن أبي مطيع في هذه الآية :
__________________
(١). الإسراء : ٢٠.