قال صاحب الكشاف : فإن قلت : لم نكر الرسول ثم عرف؟ قلت : لأنه أراد : أرسلنا إلى فرعون بعض الرسل ، فلما أعاده وهو معهود بالذكر أدخل لام التعريف. إشارة إلى المذكور بعينه .. (١).
وأظهر ـ سبحانه ـ اسم فرعون مع تقدم ذكره فقال : (فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ) ، دون أن يؤتى بضميره ، للإشعار بفظاعة هذا العصيان ، وبلوغه النهاية في الطغيان.
والمقصود من هاتين الآيتين ، تهديد المشركين ، بأنهم إذا ما استمروا في تكذيبهم لرسولهم ، محمد صلىاللهعليهوسلم فقد يصيبهم من العذاب ما أصاب فرعون عند ما عصى موسى ـ عليهالسلام ـ.
ثم ذكرهم ـ سبحانه ـ بأهوال يوم القيامة ، لعلهم يتعظون أو يرتدعون فقال : (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً ، السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً).
والاستفهام في قوله : (فَكَيْفَ) مستعمل في التوبيخ والتعجيز ، و (تَتَّقُونَ) بمعنى تصونون أنفسكم من العذاب ، ومعنى (إِنْ كَفَرْتُمْ) إن بقيتم على كفركم وأصررتم عليه. وقوله (يَوْماً) : منصوب على أنه مفعول به لقوله : (تَتَّقُونَ).
وقوله : (السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ) صفة ثانية لهذا اليوم.
والمراد بالولدان : الأطفال الصغار ، وبه بمعنى فيه ..
والمقصود بهاتين الآيتين ـ أيضا ـ تأكيد التهديد للمشركين ، حتى يقلعوا عن شركهم وكفرهم .. أى : إذا كان الأمر كما ذكرنا لكم من سوء عاقبة المكذبين ، فكيف تصونون أنفسكم ـ إذا ما بقيتم على كفركم ـ من عذاب يوم هائل شديد ، هذا اليوم من صفاته أنه يحول الشعر الشديد السواد للولدان ، إلى شعر شديد البياض ..
وهذا اليوم من صفاته ـ أيضا ـ أنه لشدة هوله ، أن السماء ـ مع عظمها وصلابتها ـ تصير شيئا منفطرا ـ أى : متشققا (بِهِ) أى : فيه ، والضمير يعود إلى اليوم ..
وصدر ـ سبحانه ـ الحديث عن يوم القيامة ، بلفظ الاستفهام «كيف» للإشعار بشدة هوله. وأنه أمر يعجز الواصفون عن وصفه.
ووصف ـ سبحانه ـ هذا اليوم بأنه يشيب فيه الولدان ، ثم وصفه بأن السماء مع عظمها تتشقق فيه ، للارتقاء في الوصف من العظيم إلى الأعظم ، إذ أن تحول شعر الأطفال من السواد
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٦٤١.