فمعنى (لَأَسْقَيْناهُمْ) لوسعنا عليهم في الدنيا ، وضرب الماء الغدق الكثير لذلك مثلا ، لأن الخير والرزق كله ، بالمطر يكون ، فأقيم مقامه.
وفي صحيح مسلم ، عن أبى سعيد الخدري ، أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «أخوف ما أخاف عليكم ، ما يخرج لكم من زهرة الدنيا ، قالوا : وما زهرة الدنيا؟ قال : بركات الأرض ...».
وقال صلىاللهعليهوسلم : «والله ما الفقر أخشى عليكم ، وإنما أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من قبلكم ، فتنافسوها ، كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم» (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ أن المساجد التي تقام فيها الصلاة والعبادات ، يجب أن تنسب إلى الله ـ تعالى ـ وحده ، فقال : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً).
والجملة الكريمة معطوفة على قوله ـ تعالى ـ قبل ذلك : (أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِ).
والمساجد : جمع مسجد ، وهو المكان المعد لإقامة الصلاة والعبادة فيه. واللام في قوله (لِلَّهِ) ، للاستحقاق.
أى : وأوحى إلىّ ـ أيضا ـ أن المساجد التي هي أماكن الصلاة والعبادة لا تكون إلا لله ـ تعالى ـ وحده ، ولا يجوز أن تنسب إلى صنم من الأصنام ، أو طاغوت من الطواغيت.
قال الإمام ابن كثير : قال قتادة : كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم ، أشركوا بالله ، فأمر الله نبيه والمؤمنين ، أن يوحدوه وحده.
وقال سعيد بن جبير : نزلت في أعضاء السجود. أى : هي لله فلا تسجدوا بها لغيره ... وفي الحديث أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : أمرت أن أسجد على سبعة أعظم : على الجبهة ـ وأشار بيده إلى أنفه ـ واليدين ، والركبتين ، وأطراف القدمين (٢).
ويبدو لنا أن المراد بالمساجد هنا الأماكن المعدة للصلاة والعبادة ، لأن هذا هو المتبادر من معنى الآية ، وأن المقصود بها توبيخ المشركين الذين وضعوا الأنصاب والأصنام ، في المسجد الحرام وأشركوها في العبادة مع الله ـ تعالى ـ.
وأضاف ـ سبحانه ـ المساجد إليه ، على سبيل التشريف والتكريم وقد تضاف إلى غيره ـ تعالى ـ على سبيل التعريف فحسب ، وفي الحديث الشريف : «الصلاة في مسجدى هذا خير من ألف صلاة في غيره ، إلا المسجد الحرام».
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٩ ص ١٨.
(٢) راجع تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٢٧٠.