قال الجمل في حاشيته : والذي سوغ لهم الخروج وترك الرسول صلىاللهعليهوسلم يخطب ، أنهم ظنوا أن الخروج بعد تمام الصلاة جائز ، لانقضاء المقصود وهو الصلاة ، لأنه كان صلىاللهعليهوسلم في أول الإسلام يصلى الجمعة قبل الخطبة كالعيدين ، فلما وقعت هذه الواقعة ، ونزلت الآية ، قدم الخطبة وأخر الصلاة ... (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَتَرَكُوكَ قائِماً) جملة حالية من فاعل (انْفَضُّوا) والمقصود بها توبيخهم على هذا التصرف ، حيث تركوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم واقفا يخطب على المنبر ، وانصرفوا إلى التجارة واللهو.
وقوله ـ سبحانه ـ : (قُلْ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ ، وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) إرشاد لهم إلى ما هو الأنفع والأبقى والأكرم لهم.
أى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ لهؤلاء الذين انفضوا عنك وأنت تخطب .. قل لهم : ما عند الله ـ تعالى ـ من ثواب ومن عطاء خير من اللهو الذي يشغلكم عن ذكر الله ، ومن التجارة التي تبتغون من ورائها الربح المادي ، والمنافع العاجلة.
والله ـ تعالى ـ هو خير الرازقين ، لأنه ـ سبحانه ـ هو وحده الذي يقسم الأرزاق ، وهو الذي يعطى ويمنع ، كما قال ـ سبحانه ـ : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها ، وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ ، وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
وقدمت التجارة على اللهو في صدر الآية ، لأن رؤيتها كانت الباعث الأعظم على الانفضاض إليها ، وترك الرسول صلىاللهعليهوسلم قائما يخطب على المنبر ، ولم يبق معه إلا عدد قليل من أصحابه.
وأخرت في آخر الآية وقدم اللهو عليها ، ليكون ذمهم على انفضاضهم أشد وأوجع ، حتى لا يعودوا إلى مثل ذلك.
هذا ، ومن الأحكام والآداب التي أخذها العلماء من هذه الآيات ما يأتى :
١ ـ فضل يوم الجمعة ، وفضل صلاة يوم الجمعة ، والتحذير من ترك أدائها.
ومن الأحاديث التي وردت في هذا المعنى ، ما رواه مسلم وأبو داود والنسائي عن أبى هريرة ، أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة ، فيه خلق آدم. وفيه أدخل الجنة ، وفيه أخرج منها ، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة».
وروى الشيخان عن أبى هريرة أنه سمع النبي صلىاللهعليهوسلم يقول : «نحن الآخرون ـ
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ٣٤٥.