وهنا يعرض هذا المؤمن على إخوانه ، أن يشاركوه في الاطلاع على مصير هذا القرين الكافر بالبعث فيقول لهم : (هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ) أى : هل أنتم مطلعون معى على أهل النار لنرى جميعا حال ذلك القرين الذي حكيت لكم حاله؟ والاستفهام للتخصيص ، أى : هيا صاحبونى في الاطلاع على هذا القرين الكافر.
(فَاطَّلَعَ) ذلك الرجل المؤمن ومعه إخوانه على أهل النار. فرآه في سواء الجحيم ، أى : فرأى ذلك الرجل الذي كان قرينه وصاحبه الملازم له في الدنيا ، ملقى به في «سواء الجحيم» أى : في وسط النار ، وسمى الوسط سواء لاستواء المسافة منه إلى باقى الجوانب.
قال الآلوسى : واطلاع أهل الجنة على أهل النار ، ومعرفة من فيها ، مع ما بينهما من التباعد غير بعيد بأن يخلق الله ـ تعالى ـ فيهم حدة النظر ، ويعرفهم من أرادوا الاطلاع عليه.
ولعلهم ـ إن أرادوا ذلك ـ وقفوا على الأعراف. فاطلعوا على من أرادوا الاطلاع عليه من أهل النار. وقبل : إن لهم طاقات في الجنة ينظرون منها من علو إلى أهل النار ، وعلم القائل بأن القرين من أهل النار ، لأنه كان منكرا للبعث (١).
ثم يحكى القرآن بعد ذلك ما قاله ذلك الرجل المؤمن لقرينه في الدنيا بعد أن رآه في وسط الجحيم فيقول. (قالَ تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ ، وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ).
وقوله : (تَاللهِ) قسم فيه معنى التعجب ، و (إِنْ) مخففة من الثقيلة. واللام في قوله : (لَتُرْدِينِ) هي الفارقة بين إن المخففة والنافية ، والجملة جواب القسم ، وتردين : أى تهلكني يقال : أردى فلان فلانا إذا أهلكه. وردى فلان ـ من باب رضى ـ إذا هلك.
و (الْمُحْضَرِينَ) من الإحضار ، يقال : أحضر المجرم ليلقى جزاءه ، وهذا اللفظ يستعمل عند الإطلاق في الشر ، إذ يدل على السوق مع الإكراه والقسر.
أى : قال الرجل المؤمن لقرينه الملقى في وسط جهنم. وحق الله ـ تعالى ـ لقد كدت أيها القرين أن تهلكني بصدك إياى عن الإيمان بالبعث والحساب ولو لا نعمة ربي علىّ ، حيث عصمنى من طاعتك ، ووفقني للإيمان ... لكنت اليوم من الذين أحضروا للعذاب مثلك ومثل أشباهك ، ولساقنى ملائكة العذاب إلى هذا المصير الأليم الذي أنت فيه اليوم ، فحمدا لله ـ تعالى ـ على الإيمان والهداية.
وقوله ـ تعالى ـ : (أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ. إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) بيان لما
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٣ ص ٩٢.