(لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أى : لا إله بحق وصدق إلا هو ـ سبحانه ـ.
(إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) أى : إليه المرجع والمآب يوم القيامة ، ليحاسبكم على أعمالكم في الدنيا.
قال القرطبي : روى عن عمر بن الخطاب ـ رضى عنه ـ أنه افتقد رجلا ذا بأس شديد من أهل الشام فلما سأل عنه قيل له : تتابع في هذا الشراب.
فقال عمر لكاتبه : اكتب من عمر بن الخطاب إلى فلان ، سلام عليك ، وأنا أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، حم تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) إلى قوله ـ تعالى ـ : (إِلَيْهِ الْمَصِيرُ).
ثم ختم الكتاب وقال لرسوله : لا تدفعه إليه حتى تجده صاحيا. ثم أمر من عنده بالدعاء له بالتوبة. فلما وصل الكتاب إلى الرجل جعل يقرؤه ويقول : قد وعدني الله أن يغفر لي ، وحذرني عقابه ، فلم يبرح يرددها حتى بكى ، ثم نزع فأحسن النزع وحسنت توبته.
فلما بلغ عمر ذلك قال : هكذا فاصنعوا إذا رأيتم أحدكم قد زل زلته فسددوه وادعوا الله له أن يتوب عليه ، ولا تكونوا أعوانا للشيطان عليه (١).
ثم هون ـ سبحانه ـ على نبيه صلىاللهعليهوسلم من شأن الكافرين ، وأخبره بأنهم أتفه من أن يغتر بهم فقال : (ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا ، فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ).
والمراد بالجدال هنا : الجدال بالباطل ، وأما الجدال من أجل الوصول إلى الحق فمحمود.
وقوله : (فَلا يَغْرُرْكَ) جواب لشرط محذوف. والتقلب : التنقل من مكان إلى آخر من أجل الحصول على المنافع والمكاسب.
أى : ما يجادل في آيات الله الدالة على وحدانيته وقدرته ، عن طريق التكذيب بها والطعن فيها .. إلا الذين كفروا بالحق لما جاءهم ، وإذا تقرر ذلك ، فلا يغررك ـ أيها الرسول الكريم ـ تقلبهم في البلاد ، وتصرفهم فيها عن طريق التجارات الرابحة ، وجمع الأموال الكثيرة ، فإن ما بين أيديهم من أموال إنما هو لون من الاستدراج ، وعما قريب ستزول هذه الأموال من بين أيديهم ، وستكون عليهم حسرة ..
(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ) أى : قبل هؤلاء الكافرين المجادلين بالباطل ليدحضوا به الحق (قَوْمُ نُوحٍ) الذين أغرقناهم بسبب هذا التكذيب لنبيهم.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٥ ص ٢٩١.