ثم ختم ـ سبحانه ـ هذه الآيات ، بآية جامعة لكل معاني القدرة والإيجاد والهيمنة على هذا الكون فقال : (وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أى من الملائكة والجن والإنس ، خلقا ، وملكا ، وتصرفا ، كل ذلك له وحده ـ سبحانه ـ لا لأحد غيره.
وقوله : (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) مؤكد لما قبله ومقرر له ، أى : كل الخلائق له لا لغيره طائعون خاضعون ، خاشعون ، طوعا وكرها ، إذ لا يمتنع عليه ـ سبحانه ـ شيء يريد فعله بهم ، من حياة أو موت ، ومن صحة أو مرض ، ومن غنى أو فقر.
هذا ، والمتأمل في هذه الآيات الكريمة ، يرى أكثر من عشرة أدلة ، على وحدانية الله ـ تعالى ـ وعلى انفراده بالخلق ، وعلى إمكانية البعث ، ومن هذه الأدلة خلق الإنسان من تراب ، وصيرورته بعد تقلبه في أطوار التكوين بشرا سويا ، وإيجاده ـ سبحانه ـ للذكور والإناث ، حتى يبقى النوع الإنسانى إلى الوقت المقدر في علمه ـ تعالى ـ : وإيجاده للناس على هذه الصورة التي اختلفت معها ألسنتهم وألوانهم ، مع أن أصلهم واحد ، وجعله ـ تعالى ـ الليل مناما لراحة الناس ، والنهار معاشا لابتغاء الرزق ، وإنزاله المطر من السماء لإحياء الأرض بالنبات ، وبقاء السموات والأرض على هذه الصورة العجيبة بأمره وتدبيره .. إلى غير ذلك من الأدلة المبثوثة في الأنفس والآفاق.
ثم أكد ـ سبحانه ـ ما يدل على إمكانية البعث ، فقال ـ تعالى ـ : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) ...
أى : وهو ـ سبحانه ـ الذي يبدأ الخلق بدون مثال سابق ، ثم يعيد هذه المخلوقات بعد موتها إلى الحياة مرة أخرى للحساب والجزاء.
والضمير في قوله : (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) للإعادة المفهومة من قوله (ثُمَّ يُعِيدُهُ) والتذكير للضمير باعتبار المعنى ، أى : والعود أو الرد ، أو الإرجاع أهون عليه.
أى : وهو ـ سبحانه ـ وحده الذي يخلق المخلوقات من العدم ، ثم يعيدها إلى الحياة مرة أخرى في الوقت الذي يريده ، وهذه الإعادة للأموات أهون عليه ، أى : أسهل عليه من البدء.
وهذه الأسهلية على طريقة التمثيل والتقريب ، بما هو معروف عند الناس من أن إعادة الشيء من مادته الأولى أسهل من ابتدائه.
ورحم الله صاحب الكشاف ، فقد وضح هذا المعنى فقال : قوله : (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) أى : فيما يجب عندكم ، وينقاس على أصولكم ، ويقتضيه معقولكم لأن من أعاد منكم صنعة