وهذا هو اللائق بشأن النبي الكريم سليمان ، الذي آتاه الله ـ تعالى ـ النبوة والملك والحكمة.
قال القرطبي «وقوله : (سَنَنْظُرُ) من النظر الذي هو التأمل والتصفح. (أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ) أى : في مقالتك. و (كُنْتَ) بمعنى أنت وقال : (سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ) ولم يقل سننظر في أمرك ، لأن الهدهد لما صرح بفخر العلم في قوله : (أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ) صرح له سليمان بقوله : سننظر أصدقت أم كذبت ، فكان ذلك كفاء لما قاله» (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ، ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ ، فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ) بيان لما أمر به سليمان ـ عليهالسلام ـ الهدهد ، بعد أن قال له : سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين.
أى : خذ ـ أيها الهدهد ـ كتابي هذا. فاذهب به إلى هؤلاء القوم من أهل سبأ ، (ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ) أى : ثم انصرف عنهم إلى مكان قريب منهم (فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ) أى : فتأمل ماذا يقول بعضهم لبعض ، وبما ذا يراجع بعضهم بعضا ، ثم أخبرنى بذلك.
قال ابن كثير : وذلك أن سليمان ـ عليهالسلام ـ كتب كتابا إلى بلقيس وقومها ، وأعطاه لذلك الهدهد فحمله ... وذهب به إلى بلادهم ، فجاء في قصر بلقيس. إلى الخلوة التي كانت تختلى فيها بنفسها ، فألقاه إليها من كوة هنالك بين يديها. ثم تولى ناحية أدبا ، فتحيرت مما رأت. وهالها ذلك ، ثم عمدت إلى الكتاب فأخذته ، ففتحت ختمه وقرأته ...» (٢).
وقال صاحب الكشاف : «فإن قلت : لم قال : فألقه إليهم. على لفظ الجمع؟ قلت : لأنه قال : (وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ) فقال : فألقه إلى الذين هذا دينهم ، اهتماما منه بأمر الدين ، واشتغالا به عن غيره. وبنى الخطاب في الكتاب على لفظ الجمع لذلك» (٣).
ثم بين ـ سبحانه ـ ما فعلته ملكة سبأ ، بعد أن جاءها كتاب سليمان ـ عليهالسلام ـ ، فقال ـ تعالى ـ : (قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ ، إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ).
أى : قالت لحاشيتها بعد أن قرأت الكتاب وفهمت ما فيه : (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ) ـ أى : يا أيها الأشراف من قومي (إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ).
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٣ ص ١٨٩.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ١٩٨.
(٣) تفسير الكشاف ج ٣ ، ص ٣٦٣.