ثم بين ـ سبحانه ـ سنة من سننه فقال : (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ) أى : يهدى الله ـ تعالى ـ لنوره العظيم من يشاء هدايته من عباده ، بأن يوفقهم للإيمان ، والعمل بتعاليم الإسلام ، وللسير على طريق الحق والرشاد.
ثم ختم ـ سبحانه ـ الآية الكريمة بقوله : (وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
أى : ويضرب الله ـ تعالى ـ الأمثال للناس ، لكي يقرب لهم الأمور وييسر لهم المسائل ، ويبرز لهم المعقول في صورة المحسوس ، والله ـ تعالى ـ بكل شيء عليم ، سواء أكان هذا الشيء ظاهرا أم باطنا ، معقولا أم محسوسا.
قال بعض العلماء ما ملخصه : هذه الآية الكريمة من الآيات التي صنفت فيها مصنفات ، منها «مشكاة الأنوار» للإمام الغزالي ... ومنها ما قاله الإمام ابن القيم عنها في كتابه «الجيوش الإسلامية».
فقد قال ـ رحمهالله ـ : سمى الله تعالى ـ نفسه نورا ، وجعل كتابه نورا ، ورسوله صلىاللهعليهوسلم نورا ، ودينه نورا ، واحتجب عن خلقه بالنور وجعل دار أوليائه نورا يتلألأ. قال ـ تعالى ـ (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وقد فسر بكونه منور السموات والأرض وهادي أهل السموات والأرض فبنوره اهتدى أهل السموات والأرض. وهذا إنما هو فعله. وإلا فالنور الذي هو من أوصافه قائم به. ومنه اشتق اسم النور الذي هو أحد الأسماء الحسنى ..» (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك أكثر الأماكن والأشخاص انتفاعا بنوره ، فقال ـ تعالى ـ : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ، يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ. رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ).
وقوله (فِي بُيُوتٍ) متعلق بقوله : (يُسَبِّحُ). والمراد بهذه البيوت : المساجد كلها ، وعلى رأسها المسجد الحرام ، والمسجد النبوي ، والمسجد الأقصى.
و «أذن» بمعنى أمر وقضى ، وفاعل «يسبح» قوله «رجال».
والغدو والغداة : من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، والآصال جمع أصيل ، وهو ما بين العصر وغروب الشمس.
أى : هذا هو نور الله ـ تعالى ـ الذي يهدى إليه من يشاء من عباده ، وعلى رأس أولئك
__________________
(١) راجع تفسير القاسمى ج ١٢ ص ٤٥٢٦
.