عليه ، واحتجوا بظاهر قوله صلىاللهعليهوسلم : «يا معشر الشباب. من استطاع منكم الباءة» ـ أى القدرة على الزواج ـ فليتزوج ، فإنه أغض للبصر ، وأحفظ للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» (١) ـ أى : وقاية ـ.
ويبدو لنا أن الزواج يختلف حكمه باختلاف الأحوال ، فمن كان ـ مثلا قادرا على الزواج ، ويخشى إذا ترك الزواج أن يقع في الفاحشة : فإن الزواج بالنسبة له يكون واجبا عليه. بخلاف من أمن الوقوع في الفاحشة ، فإن الزواج بالنسبة له يكون مندوبا أو مستحبا.
ولذا قال الإمام القرطبي : «اختلف العلماء في هذا الأمر ـ أى في قوله ـ تعالى ـ (وَأَنْكِحُوا) ـ على ثلاثة أقوال : فقال علماؤنا يختلف الحكم في ذلك باختلاف حال المؤمن من خوف العنت ، ومن عدم صبره .. فإذا خاف الهلاك في الدين أو الدنيا فالنكاح حتم.
وإن لم يخش شيئا ، وكانت الحال مطلقة ، فالنكاح مباح.
قال الشافعى : إنه قضاء لذة فكان مباحا كالأكل والشرب.
وقال مالك وأبو حنيفة : هو مستحب (٢).
وقوله ـ سبحانه ـ : (إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) حض لمن يملك عقد الزواج على أن لا يجعل الفقر حائلا دون إتمامه. لأن الأرزاق بيد الله ـ تعالى ـ وحده.
أى : زوجوا ـ أيها الأولياء والسادة ـ من كان أهلا للزواج ، وصالحا له وراغبا فيه ، من رجالكم ونسائكم ، ولا يمنعكم فقرهم من إتمامه ، فإنهم إن يكونوا فقراء اليوم ، فالله ـ تعالى ـ قادر على أن يغنيهم في الحال أو في المستقبل متى شاء ذلك ، فإن قدرته ـ عزوجل ـ لا يعجزها شيء ، وكم من أناس كانوا فقراء قبل الزواج ، ثم صاروا أغنياء بعده ، لأنهم قصدوا بزواجهم حفظ فروجهم ، وتنفيذ ما أمرتهم به شريعة الإسلام.
روى الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ثلاثة حق على الله عونهم : الناكح يريد العفاف ، والمكاتب يريد الأداء ، والغازي في سبيل الله» (٣).
فهذا عهد أخذه الله ـ تعالى ـ على ذاته ـ فضلا منه وكرما ـ ولن يخلف الله ـ عزوجل ـ عهده.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٥٤.
(٢) تفسير القرطبي ج ١٢ ص ٢٣٩.
(٣) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٥٥.