وتضرعه إلى الله تعالى لا غير ، وهي العبارة الّتي تصور البعض أنّها من قبيل الشكوى ، ولكنه خطأ فاحش لأنها لا تتضمن أي نوع وأي أثرٍ للشكوى فيها حيث تقول : (إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ).
وتأتي «الآية الثانية» لتستعرض صبر «النبي يعقوب» الّذي يُعد اسطورة في الصبر والاستقامة ، فقد فَقَدَ ابنه وأعز ما لديه في الحياة ، وهو «يوسف» الّذي كان يحبّه حبّاً جمّاً ، وعاش سنوات مديدة بعينٍ باكية وصبرٍ عظيم حتّى انه عميت عيناه ، ولكن رغم ذلك فإنه لم تفلت منه كلمة مخالفة لرضى الله تعالى وكان شاكراً وصابراً دائماً وكما تعبر الآية على لسان يعقوب نفسه بكلمة «صبرٌ جميل» حيث تقول (وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ)(١).
وهكذا نرى إن الاخوة الكذّابين غفلوا عن تمزيق قميص يوسف عند ما جاءوا به ملطخاً بالدم وقالوا لأبيهم إنّ الذئب قد أكل يوسف في غفلة منا ، ولهذا لم يصدق يعقوب كلامهم هذا وقال : (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً) ، ولكن بما انه لم يكن يملك أي شيء اتجاه هذه الحادثة المؤلمة فاكتفى بالبكاء على يوسف وقال : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) أي الصبر المقترن مع الشكر لله على هذه المحنة دون أن تمتد إلى قلبه حالة الجزع الذميمة.
وبالنسبة لعبارة (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) فللمفسّرين بيانات مختلفة في تفسيرها ، فذهب البعض إلى أنّ الصبر جميل هو الصبر الّذي لا يخالطه الجزع ولا الشكوى للناس من المصيبة ، وذهب البعض الآخر إلى أنّ الصبر الجميل أن يكون بدافع إلهي وطلباً لرضى الله تعالى ، وقد ورد في الروايات انه سُئل رسول الله صلىاللهعليهوآله عن الصبر الجميل ما هو؟ وقال هو الذي لا شكوى معه (٢).
وذهب آخرون إلى أنّ الصبر الجميل هو ما لم يقترن مع الشكوى إلى الناس ، وأجمل منه
__________________
١ ـ سورة يوسف ، الآية ١٨.
٢ ـ تفسير القرطبي ، ج ٥ ، ص ٣٣٨.