تشخيص أغلب الأمراض ، بالأشعّة السّينيّة ، والسّونار ، والمختبرات المختلفة لتحاليل الدّم والبول ، وما شابهها من الامور ، حيث يستطيع الطّبيب بمعونتها ، من تشخيص مواضع الخلل البدني بدقةٍ ، وبالتالي يكون بإمكانه ، وضع الأدوية والعلاجات لذلك المرض ، وكذلك الحال في الأمراض الروحيّة والنفسيّة على مستوى التّشخيص والمعالجة ، فإنّنا إن لم نشخّص أمراضنا الرّوحيّة ، بمساعدة الطّبيب الحقيقي للنفس ، ولم نتمكن من العثور على جذور الرّذائل الأخلاقيّة ، في واقعنا النّفسي ، فسوف لا يمكننا الوصول إلى طريقةٍ لعلاج هذه الأمراض ، وجُبران مواضع الخَلل في عالم النّفس.
ولكن أغلب الناس ، يتجاهلون الأعراض الخطيرة للأمراض ، وذلك لِغَلبة الأنانيّة عليهم وحبّ الذات ، الذي لا يسمح لهم برؤية النّقص على حقيقته ، وهذا الهروب من الحقيقة ، غالباً ما ينتهي إلى عواقب غير حميدة ، ولا يتوجه إليها الإنسان إلّا بعد فوات الأوان ، وبعد تجاوز المرض مرحلة العلاج ، ففي الأمراض الأخلاقيّة ، والإنحرافات النّفسية ، غالباً ما يكون حبّ الذات والأنانية ، مانعاً قويّاً لِلناس ، يحول دون معرفة صفاتهم الرّذيلة ، وعيوبهم الأخلاقيّة والإعتراف بها ، بل ويتذرعون بالأعذار المختلفة ، في عملية التغطية اللّاشعورية ، على تشوّهات الأنا ليكون الشّخص متعالياً عن النّقد والنّقص ، وبذلك يعيش مثل هذا الإنسان ، حالةَ الوَهم في ثياب الواقع.
والحقيقة أنّ الأعترافَ بالخطأ فَضيلةٌ ، ويحتاج إلى عزمٍ جدّي ، وإرادةٍ راسخةٍ ، وإلّا فان الإنسان سيتحرك على مستوى تغطية عيوبه ، ويُدرجها في طيّ النسيان ، ليخدع بها نفسه ومن حواليه ، بالظّواهر الخادعة والعناوين الزائفة.
نعم فإنّ الوقوف على العيوب والنقص ، في واقع الذّات أمرٌ مرعبٌ ومريعٌ ، وغالبيّة النّاس يهربون من واقعهم في حركة الحياة ، ولا يريدون أنّ يعترفوا بأخطائهم من موقع تحمّل المسؤوليّة ، لكنّ الهروب من الحقيقة ، سيعود بالضّرر الكبير على صاحبه ، وسيدفع الإنسان الّثمن غالياً على المستوى البعيد ، جرّاء ذلك!. وعلى كلّ حال ، فإنّ المانع الحقيقي ، والحِجاب الأصلي لمعرفة الذّات ، هو حجاب حبّ الذّات ، والأنانيّة والتّكبر ، وما لم تنقشع هذه الحُجب ،