ولنرجع الآن لِلقرآن الكريم ، لنستوحي من آياته مسألة الإخلاص. فبعض الآيات تتحدث عن المخلِصين ، والبعض الآخر عن المخلَصين من موقع الثناء ، والّتمجيد بهم ، ومنها :
١ ـ في الآية (٥) من سورة البيّنة : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ).
حيث تتبيّن أهميّة هذا الموضوع ، بالنّظر إلى أنّ الدّين له مفهومٌ واسعٌ يستوعب في إطاره ، كلّ العقائد والأعمال الباطنيّة والخارجيّة ، فالضّمير في : وما امروا ، يعود على جميع أتباع المذاهب الإلهيّة والأديان السماوية ، والإخلاص والصلاة والزكاة ، تمثّل : عناصر مشتركة بين الجميع ، فهذا التّعبير في الآية ، يبيّن حقيقةً واحدةً ألا وهي أنّ جميع الأوامر الإلهيّة مستقاةٌ من حقيقة التّوحيد والإخلاص ، في خطّ الطّاعة والعبوديّة.
٢ ـ وفي آية اخرى ، نجد أنّ القرآن الكريم يوجّه خطابه إلى جميع المسلمين ، ويقول : (فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ)(١).
٣ ـ وفي مكان آخر ، يخاطب الرّسول الأكرم صلىاللهعليهوآله ، ويقول : (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ)(٢).
ويُستشف من هذه الآيات وآياتٍ اخرى ، أنّ الإخلاص هو أساس الدّين ودعامته ، التي يرتكز عليها في عمليّة تثبيت الإنسان ، في خطّ الإيمان والإنفتاح على الله تعالى.
وسنتعرّض لِشرح معنى المخلِصين والمخلَصين ، والفرق بينهما في ما بعد ، ولكن توجد هنا عباراتٌ على درجةٍ من الأهميّة ، على مستوى المفاهيم القرآنية :
١ ـ الآية : (٣٩ و ٤٠) من سورة الحِجر ، تتحدثان عن الشيطان ، بعد ما طرد من رحمة الله سبحانه إلى الأبد ، فقال بعنادٍ : (وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ).
فتبيّن هذه الآية ، حالة المخلَصين من عباده ، وأنّها إلى درجةٍ من القوّة والإستحكام ، حتى الشّيطان قد يأس منهم.
٢ ـ الآية : (٣٩ و ٤٠) من سورة الصافات ، تتحدثان عن وعد الله تعالى لعباده المخلَصين ،
__________________
١ ـ سورة غافر ، الآية ١٤.
٢ ـ سورة الزّمر ، الآية ١١.