وللعلماء في تفسير هذه الجملة الكريمة أقوال منها : أن المراد بنقص الأرض من أطرافها : إهلاك المشركين السابقين الذين كذبوا رسلهم ، كقوم نوح وعاد وثمود ، وهم يمرون على قرى بعض هؤلاء المكذبين ، ويرون آثارهم وقد دمرت ديارهم.
والمعنى : أفلا ينظر هؤلاء المشركون الذين كذبوك يا محمد ، فيرون بأعينهم ما حل بأمثالهم ممن كذبوا الرسل من قبلك. وكيف أننا طوينا الأرض بهم. وجعلناهم أثرا بعد عين.
والاستفهام في قوله : (أَفَهُمُ الْغالِبُونَ) للإنكار.
أى : لم تكن الغلبة والعاقبة في يوم من الأيام لمن كذبوا رسل الله ـ تعالى ـ وإنما الغلبة والظفر وحسن العاقبة لمن آمن بالرسل وصدقهم واتبع ما جاءوا به من عند ربهم.
وقد أشار الإمام ابن كثير إلى هذا المعنى بقوله : «أفلا يعتبرون بنصر الله لأوليائه على أعدائه ، وإهلاكه الأمم المكذبة والقرى الظالمة وإنجائه لعباده المؤمنين. ولهذا قال : (أَفَهُمُ الْغالِبُونَ).
يعنى : بل هم المغلوبون الأسفلون الأخسرون الأرذلون (١).
ومنها أن المراد بنقص الأرض من أطرافها : نقص أرض الكفر ودار الحرب ، وتسليط المسلمين عليها وانتزاعها من أيديهم بدليل الاستفهام الإنكارى في قوله (أَفَهُمُ الْغالِبُونَ) أى : لا .. ليسوا هم الذين يغلبون جندنا ، وإنما جندنا هم الغالبون.
وقد صدر الآلوسى تفسيره لهذا القول فقال : «أفلا يرون أنا تأتى الأرض» أى : أرض الكفرة «ننقصها من أطرافها» بتسليط المسلمين عليها ، وحوز ما يحوزونه منها ، ونظمه في سلك ملكهم .. «أفهم الغالبون» على رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين.
والمراد إنكار ترتيب الغالبية على ما ذكر من نقص أرض الكفرة بتسليط المؤمنين عليها ، كأنه قيل : أبعد ظهور ما ذكر ورؤيتهم له يتوهم غلبتهم ، وفي التعريف تعريض بأن المسلمين هم المتعينون للغلبة المعروفون فيها (٢).
وقال صاحب الكشاف : «فإن قلت : أى فائدة في قوله (نَأْتِي الْأَرْضَ)؟.
قلت : فيه تصوير ما كان الله يجريه على أيدى المسلمين ، وأن عساكرهم وسراياهم كانت
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٥ ص ٣٣٨.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١٧ ص ٥٣.