وأقوالهم بمنطق سليم ، أبطل به حججهم .. مما جعلهم يكفون عن مناقشته ، ويلجئون إلى التحدي والتعنت.
وما أحوج الدعاة إلى الله ـ عزوجل ـ إلى التماس العبرة والعظة من قصة نوح مع قومه.
٣ ـ أن النسب مهما شرف وعظم لن ينفع صاحبه عند الله ، إلا إذا كان معه الإيمان والعمل الصالح ، وأن الإيمان والصلاح ليسا مرتبطين بالوراثة والأنساب لأنه لو كان الأمر كذلك لكانت ذرية نوح ومن معه من المؤمنين الذين نجوا معه في السفينة. كلها من المؤمنين الصالحين ، مع أن المشاهد غير ذلك.
ورحم الله الإمام القرطبي فقد قال ـ ما ملخصه ـ عند تفسيره لقوله ـ تعالى ـ (قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ..) : «وفي هذه الآية تسلية للآباء في فساد أبنائهم وإن كان الآباء صالحين» ، فقد روى أن ابنا لمالك بن أنس ارتكب أمرا لا يليق بمسلم ، فعلم بذلك مالك فقال : «الأدب أدب الله ، لا أدب الآباء والأمهات ، والخير خير الله ، لا خير الآباء والأمهات ..» (١).
٤ ـ أن سؤال نوح ـ عليهالسلام ـ ما سأله لابنه لم يكن ـ كما قال صاحب المنار معصية لله ـ تعالى ـ خالف فيها أمره أو نهيه ، وإنما كان خطأ في اجتهاد رأى بنية صالحة.
وإنما عدها الله ـ تعالى ـ ذنبا له لأنها كانت دون مقام العلم الصحيح اللائق بمنزلته من ربه ، هبطت بضعفه البشرى ، وما غرس في الفطرة من الرحمة والرأفة بالأولاد إلى اتباع الظن ، ومثل هذا الاجتهاد لم يعصم منه الأنبياء ، فيقعون فيه أحيانا ليشعروا بحاجتهم إلى تأديب ربهم وتكميله إياهم آنا بعد آن ، بما يصعدون به في معارج العرفان» (٢).
٥ ـ إن القرآن في إيراده للقصص والأخبار ، لا يهتم إلا بإبراز النافع المفيد منها ، أما ما عدا ذلك مما لا فائدة من ذكره ، فيهمل القرآن الحديث عنه.
فمثلا في قصة نوح ـ عليهالسلام ـ هنا ، لم يتعرض القرآن لبيان المدة التي قضاها نوح في صنع السفينة. ولا لبيان طول السفينة وعرضها وارتفاعها ، ولا لتفاصيل الأنواع التي حملها معه في السفينة ، ولا لبيان الفترة التي عاشها نوح ومن معه فيها.
ولا لبيان المكان الذي هبط فيه نوح بعد أن استوت السفينة على الجودي .. ولا لبيان
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ٩ ص ٤٧.
(٢) تفسير المنار ج ١٢ ص ٨٦.