وروى الشيخان وأحمد عن أنس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «لكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة» (١).
٢ ـ يلحق بالمستجير الطالب لسماع كلام الله ؛ من كان طالبا لسماع الأدلة على كون الإسلام حقا ، ومن كان طالبا للجواب على الشبهات التي أثارها أعداء الإسلام ، لأن هؤلاء وأمثالهم يطرقون باب الفهم والمعرفة ويبحثون عن الحق فعلينا أن نحميهم ، وأن نبذل أقصى الجهود في تعليمهم وإرشادهم وإزالة الشبهات عنهم ، لعل الله أن يشرح صدورهم للإسلام بسبب هذا التعليم والإرشاد.
قال ابن كثير : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يعطى الأمان لمن جاءه مسترشدا أو في رسالة ، كما جاءه يوم الحديبية جماعة من الرسل من قريش منهم عروة بن مسعود ، ومكرز بن حفص ، وسهيل بن عمرو وغيرهم واحدا بعد واحد ، يترددون في القضية بينه وبين المشركين ، فرأوا من إعظام المسلمين لرسولهم صلىاللهعليهوسلم ما بهرهم وما لم يشاهدوه عند ملك ولا قيصر ، فرجعوا إلى قومهم ، وأخبروهم بذلك ، وكان ذلك وأمثاله من أكبر أسباب هداية أكثرهم (٢).
٣ ـ على الإمام أو من يقوم مقامه أن يعطى المستأمن المهلة التي يراها كافية لفهمه حقائق الإسلام وأن يبلغه مأمنه بعد انقضاء حاجته ، وأن لا يمكنه من الإقامة في دار الإسلام إلا بمقدار قضاء حاجته.
قال الإمام الرازي : ليس في الآية ما يدل على أن مقدار هذه المهلة كم يكون ، ولعله لا يعرف مقدارها إلا بالعرف ، فمتى ظهر على المشرك علامات كونه طالبا للحق باحثا عن وجه الاستدلال أمهل وترك ومتى ظهر عليه كونه معرضا عن الحق دافعا للزمان بالأكاذيب لم يلتفت إليه (٣).
٤ ـ أخذ العلماء من هذه الآية وجوب التفقه في الدين ، وعدم الاكتفاء بالظنون والتقليد للغير ، وقد وضح الإمام الرازي هذا المعنى فقال :
دلت الآية على أن التقليد غير كاف في الدين ، وأنه لا بد من النظر والاستدلال ، وذلك لأنه لو كان التقليد كافيا ، لوجب أن لا يمهل هذا الكافر ، بل يقال له : إما أن تؤمن وإما أن نقتلك. فلما لم يقل له ذلك ـ بل أمهل وأزيل الخوف عنه ووجب تبليغه مأمنه ـ علم أن ذلك لأجل عدم كفاية التقليد في الدين ، وأنه لا بد من الحجة والدليل : فلذا أمهل ليحل له النظر والاستدلال» (٤).
__________________
(١) تفسير القاسمى ج ١٠ ص ٣٧٧.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٣٣٧.
(٣) تفسير الفخر الرازي ج ١٥ ص ٢٢٧.
(٤) تفسير الفخر الرازي ج ١٥ ص ٢٢٧.