قال الحاكم : استفاض النقل أنهما سورتان.
وقال أبو السعود : اشتهارها ـ أى سورة التوبة ـ بهذه الأسماء المتقدمة ـ براءة والفاضحة ... إلخ ـ يقضى بأنها سورة مستقلة ، وليست بعضا من سورة الأنفال ...» (١) :
وقال بعض العلماء : وهذه الأسماء وغيرها مما ثبت إطلاقه على السورة ـ أى سورة التوبة ـ من الصدر الأول ، لم يعرف إطلاق واحد منها على السورة التي قبلها وهي سورة الأنفال ، كما لم يعرف أنه أطلق اسم سورة الأنفال على هذه السورة. وبذلك احتفظت كل من السورتين منذ العهد الأول بما لها من اسم لم تشاركها فيه صاحبتها.
وكما احتفظت كل من السورتين بما لها من اسم ، احتفظت كل منهما بوقت نزولها ، فسورة الأنفال نزلت بعد غزوة بدر. أى : في السنة الثانية من الهجرة. وسورة التوبة نزلت بعد غزوة تبوك ، وبعد خروج أبى بكر على رأس المسلمين إلى الحج. أى : في أواخر السنة التاسعة.
وكما احتفظت كل منهما بهذا وذاك ، احتفظت كل منهما ـ أيضا ـ بهدفها الخاص.
فسورة التوبة عالجت شئونا حدثت بعد زمن طويل من نزول سورة الأنفال ، ومعرفتها باسم سورة الأنفال. وسورة الأنفال عالجت شئونا حدثت قبل نزول سورة التوبة ولم يرد لها ذكر فيها.
ولا شك أن كل هذه الاعتبارات الواضحة المبينة والمحققة في السورتين من الصدر الأول ، تدل دلالة واضحة على أنهما سورتان منفصلتان ، وأن عدهما سورة واحدة رأى لا قيمة له ، كما لا قيمة للاشتباه في استقلال كل منهما حتى يقال : تركت البسملة بينهما نظرا لاحتمال وحدتهما ، وتركت بينهما فرجة نظرا لاحتمال انفصالهما.
وقد عرف مع ترك التسمية بينهما أنهما سورتان مستقلتان من عهد النبي صلىاللهعليهوسلم إلى يومنا هذا.
وقد جاءتا كذلك في المصاحف الأولى : مصحف عثمان ، وعلى ، وابن عباس ، فلا معنى بعد هذا كله لإثارة شبهة قد تمس من قرب أو بعد قداسة تنظيم كتاب الله وترتيبه بناء على روايات ضعيفة أو موضوعة (٢).
والخلاصة أن القول بأنهما سورة واحدة ، قول لا وزن له ، ولا يعول عليه للأسباب التي ذكرناها آنفا.
__________________
(١) تفسير أبى السعود ج ٢ ص ٢٥٠. طبعة محمد عبد اللطيف.
(٢) تفسير القرآن الكريم ص ٦٠٢ لفضيلة الأستاذ الشيخ محمود شلتوت. طبعة دار القلم. الطبعة الرابعة سنة ١٩٦٦.