إيّاكم ، وتتأدبون بلطائف مواعظه ، فيوصلكم حسن أدب الاستماع ، وبركة الخطاب إلى رحمته ، وهو أن يرزقكم آداب خدمته ، كما رزقكم سنن شريعته ، وأجلّ رحمة ، رحم الله بها عباده آداب العبودية التي خصّ بها الأكابر من الأصفياء ، والسادات من الأولياء.
قال الأستاذ : الإنصات في الظاهر من آداب أهل الباب ، والإنصات بالسرائر من آداب أهل البساط ، ثمّ أمر نبيّه صلىاللهعليهوسلم بأن يذكره بجلاله وعظمته في نفسه ، بقوله : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ) حتى تفنى نفسك في نفسي ، ولا يبقي فيك إلا نفسي ، لإذعانك بنعت العبودية في ساحة كبريائي ، وبنعت رؤية جلالي ، حيث لا ترى غيري ، هذا معنى قوله : (تَضَرُّعاً وَخِيفَةً).
وأيضا واذكر ربك بأوصافه في نفسك ، كأنّها تحمل أثقال أسرار قدمي ، لا غيرها من النفوس.
وأيضا أوصل الذكر بالنفس ؛ لأن القلب موضع المذكور.
وقال الحسين في هذه الآية : لا تظهر ذكرك لنفسك ، فتطلب به عوضا ، وأشرف الذكر ما لا يشرف عليه إلا الحقّ ، وما خفي من الأذكار أشرف مما ظهر.
قوله تعالى : (وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ) أي : لا تكن مشغولا بنا عنا ، ولا عمّن بقي في رؤية العطاء عن المعطي.
أمر تعالى نبيّه عليهالسلام بحفظ الأنفاس عن خطرات الوسواس ، وجمع الهمّة عن طارق الغفلة ، أي : اذكرني بي ، لا بك ، فإنّ من ذكرني بنفسه غفل عني ، ومن ذكرني بي آخذه من الذكر والفكر ، وأكشف جمالي له حتى يصل بي إليّ.
قال سهل : ما من أحد ذهب منه نفس واحد بغير ذكر ، إلّا وهو غافل.
وقيل : «الغافل» : من غفل عن مراد الله فيه.
وقيل : «الغافل» : الذي غفل عن درك حقائق الأمور.
قال الأستاذ في معنى التضرّع والخيفة : «التضرع» : إذا كوشف بوصف الكمال في أواني البسط.
و «الخيفة» : إذا كوشف بنعت الجلال في أحوال الهيبة ، وهذا للأكابر ، فأمّا من دونهم فتتنوع أحوالهم من حيث الخوف والرجاء بالرغبة والرهبة ، ومن فوق الجمع فأصحاب البقاء والفناء والصحو والمحو ، ووراءهم أرباب الحقائق مثبتون في أوطان التمكين ، فلا تلوّن لهم ، ولا تخنس لقيامهم بالحق ، وامتحانهم عن شواهدهم.
ثم وصف الله كرام العارفين من الكروبيين ، والمقرّبين أنهم في محلّ العندية مقدّسون