بسم الله الرّحمن الرّحيم
التقديم
الحمد لله
المنعم المحسن الدّيان ، الملك القدوس العزيز الرحمن ، المحمود بكل لسان ، في كل
حال وسائر الزمان ، الذي خلق الإنسان وعلمه البيان ، ورزقه قلبا مدركا للأشياء
بالحجة والبرهان ، ثم كرمه بمواهب فضله من الخلافة والعرفان ، وفضله بعرائس
العقائد الحقة من محجة الإسلام والإيمان ، التي لم يطمثهن قبل أصناف الملائكة ولا
طوائف الجان ، وأوضح الحق بكتابه المجيد ، وخطابه الحميد الفرقان كلاما يحق الباطل
بين يديه ويزهق منه الشيطان ، وله في كشف الحقائق والتبيان شأن لا تكتنهه الأفكار
والأذهان حيث لا توازيه الزبر ، ولا تساويه الكتب في الفصاحة والبيان.
ومهّد للطائعين
من عباده المتقين بالجنان الجنان ، وبشرهم بأكبر من ذلك وأجل الأكوان الرضوان ،
وهدد المعاندين الطاغين بالقهر والنيران ، لجهة الكفر والكفران ، وهيّأ لهم أنواع
النكبة من المذلة وسوء الخسران ، وحين حدثت في الشوارع والطرائق صعاب المزالق
والمضايق ، وخلطت الشرائع بأوهام مموهة وكلام زاهق ، بعث الرسول صلىاللهعليهوسلم إلى أهل المغارب والمشارق بالآيات البينة ، والخوارق
النيرة التي تضيء الآن كالبدر ، ولم تكسف مع تراكم ليالي العوائق من الحوائج
والطوارق.
فبيّن لهم
جهارا أسرار الحقائق ، وصدع بكشف القناع عن وجوه الدقائق ، من دون أن يفرق بين
المخالف والموافق ، ويخصص المؤمن الصادق من الكافر والمنافق ، صلى الله البارئ
الخالق عليه ، وعلى آله وصحبه المنتسبين إليه بخير العلائق ، ما أظلم الظلام ،
وأشرقت المشارق ، ويميز الجيد من الزائف ، والردى من الرائق ، وما ابتسمت الأزهار
بالرياح في الحدائق ، وتنسمت الرياحين والشقائق على عوالي الأعلام والشواهق.
وبعد .. فلما
كان علم التفسير أحسن العلوم الإلهية كلها ، وأعز من سائر الفنون وأجلها إذ هو
للعقائد الدينية أقدم الأصول وأهمها ، ولإدراك المسائل الفقيهة رأس المباني وأمها
، ولاستنباط الأحكام الظاهرة الشرعية بناء وأساس ، ولاكتساب المعارف الباطنة من
الطريقة والحقيقة ، والمعرفة مصباح ونبراس ، وإلى الأول منهما قد التفت أكثر الناس
قديما وحديثا ، وتوجهوا نحو التفسير على وجه الشريعة تصنيفا وتأليفا ، ولم يتعرضوا
للثاني إلا قليلا ، فإنه مسلك أدق وخطب جليل ، إذ هو بحر لا يدرك ساحله ، وصراط
قلّ من أن يسلم سالكه ، ولا يعبّره إلا من أتى الله بقلب سليم أو وفق من الله
العظيم ، لهذا الأمر الجسيم.