قال جعفر الصادق : إذا لم يكن إسلام العبد على معرفة النعم من الله ، والتوكل عليه ، والتسليم لأمره ؛ فهو على اسم الإسلام ، لا على حقيقته.
(قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٦))
قوله تعالى : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ) خصّ الله تعالى نفسه ، ومدحه بملك الربوبية ، وأنّه ذو الملك والملكوت والجبروت وملكه قديم ، وهو موصوف به في الأزل ، ويبقى له إلى أبد الأبد ، وهو مفرد به ؛ ثم خصّ بملكه الذي هو صفاته من يشاء من أنبيائه وأوليائه ، فالملك الذي خصّ الأنبياء هو الاصطفاء ، والاجتباء ، والخلافة ، والخلة ، والمحبة ، والتكليم ، والآيات ، والمعجزات ، والمعراج ، والمنهاج ، والرسالة ، والنبوة.
وخصّ بما ذكرت من بين الأنبياء صلوات الله عليهم آدم ، وشيث ، وإدريس ، ونوح ، وهود ، وصالح ، وإبراهيم ، وإسماعيل ، وإسحاق ، ويعقوب ، ويوسف ، ويونس ولوط ، وشعيب ، وحزقيل ، وخضر ، وموسى ، وهارون ، ويوشع ، وكالب ، وأيوب ، وداود ، وسليمان ، وزكريا ، ويحيى ، وعيسى ، ومحمد سيد الرسل خاتم الأنبياء ـ صلوات الله عليهم أجمعين.
فكسا الله تعالى سفرة الأنبياء والرسل عليهمالسلام كسوة الربوبية والسلطنة ؛ فظهرت منهم الآيات والمعجزات وقهروا بعز ملك النبوة والرسالة جبابرة الأرض ، وهذا موهبة خالصة أزلية سبقت لهم بعناية الله تعالى في أزل علمه ، وحرّمها على أهل الخذلان في سابق علمه وهو معنى قوله : (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ) ، وما قال تعالى لخليله : (قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) [البقرة : ١٢٤].
وأمّا الملك الذي خصّ به أولياءه فعلى أربعة أقسام : قسم منها الكرامات والآيات مثل : تقلب الأعيان ، وطي الأرض ، واستجاب الدعوة ؛ وهو لأهل المعاملات ، وقسم منها وهو أشرف من الأول وهو المقامات مثل : الزهد ، والورع ، والتقوى ، والصبر ، والشكر ، والتوكل ، والرضا ، والتسليم ، والتفويض ، والتقويم ، والصدق ، والإخلاص ، والإحسان ، والاستقامة ، والطمأنينة ؛ وهو لأهل الدرجات ، وقسم منها وهو أشرف من الثاني هو الوجد ، والنجوى ، والمراقبة ، والحياء ، والخوف ، والرجاء ، والمحبة ، والشّوق ، والعشق ، والسكر ، والصحو ؛ وهو لأهل الحالات ، وقسم منها وهو أشرف من الثالث هو الكشف والمشاهدة والمعرفة والتوحيد والتفريد والفناء والبقاء وهو لأهل المعاينات ، فهذه الأحوال التي ذكرناها أصل ملك الولاية ، فمن خصّ بها فقد بلغ ذروة ملك الأزل والأبد ، ومن حرم منها فقد