عن علم النحو الّذي يعرف قوله تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) ... وليس من شرط المفتي أن يجيب عن كلّ مسألة فقد سئل مالك عن أربعين مسألة فقال في ستة وثلاثين منها : لا أدري ، وكم توقّف الشافعي بل الصحابة في المسائل» (١).
وقال الآمدي : «وأما الاجتهاد في حكم بعض المسائل ، فيكفي فيه أن يكون عارفاً بما يتعلّق بتلك المسألة ، وما لا بدّ منه فيها ، ولا يضرّه في ذلك جهله بما لا تعلّق له بها ممّا يتعلّق بباقي المسائل الفقهيّة» (٢).
واستدلّ القائل بالإمكان بوجهين :
الأوّل : إنّ أبواب الفقه مختلفة مدركاً ، والمدارك متفاوتة سهولة وصعوبة ، عقلية أو نقلية مع اختلاف الأشخاص ، وربّ شخص له مهارة في النقليات دون العقليات وكذلك العكس ، وهذا يوجب حصول القدرة القويّة في بعضها دون بعض.
الثاني : استحالة حصول اجتهاد مطلق عادة غير مسبوق بالتجزّؤ للزوم الطّفرة (٣).
وأورد عليه : بأنّ الأفراد (الاستنباطات) كلّها في عرض واحد ، ولا يكون بعضها مقدّمة لبعض آخر حتى يتوقّف الوصول إلى المرتبة العالية على طيّ المراتب النّازلة ، فلا مانع عقلاً من حصوله دفعة ـ وبلا تدريج ـ ولو بنحو من الإعجاز من نبيّ أو إمام ، إلّا أن يكون مراده من الاستحالة ، العاديّة لا العقلية فإنّه لا يمكن عادة حصول الاجتهاد المطلق دفعة بل هو متوقّف على التدرّج
__________________
(١) المستصفى : ٢ / ٣٥٣ و ٣٥٤.
(٢) الإحكام في أُصول الأحكام : ٤ / ١٧١.
(٣) كفاية الأُصول : ٢ / ٤٦٧.