أقول : فيها أيضاً تلميح إلى الترجيح في الإفتاء ، لأنّ اختلاف الحكمين قد ينشأ من الاختلاف في الأُمور الخارجيّة وأُخرى من الاختلاف في الفتوى ، ومورد الثاني هو الرّواية ، فيكون دليلاً صريحاً على الترجيح بالأعلميّة عند اختلاف أرباب الفتوى في القضاء ومومياً إليه في غيره كما لا يخفى.
٥ ـ قول أمير المؤمنين (عليهالسلام) في عهده إلى مالك الأشتر : «ثمّ اختر للحكم بين النّاس أفضل رعيّتك في نفسك ممّن لا تضيق به الأُمور ولا تمحكه الخصوم (١) ولا يتمادى في الزلّة ولا يحصر (٢) من الفيء (٣) إلى الحقّ إذا عرفه ، ولا تشرف نفسه على طمع ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه ، وأوقفهم في الشّبهات ، وآخذهم بالحجج وأقلّهم تبرّماً (٤) ، بمراجعة الخصم وأصرّهم على تكشّف الأُمور ...» (٥).
يلاحظ عليه : أنّ المتبادر من الأفضل بقرينة الجمل المتعقّبة هو المتجلي بالفضائل النّفسانيّة من كونه خاضعاً للحقّ ، غير لجوج ، وآخذاً له إذا عرفه ، حتى أنّ المراد من «آخذهم بالحجج» هو المحتاط في أُموره ، وأين ذلك من الأفقهيّة.
٦ ـ قول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من تعلّم علماً ليماري به السّفهاء ، أو ليباهي به العلماء ، أو يصرف به النّاس إلى نفسه ، يقول : أنا رئيسكم ، فليتبوّأ مقعده من النّار ، إنّ الرّئاسة لا تصلح إلّا لأهلها ، فمن دعى النّاس إلى نفسه وفيهم من هو أعلم منه ، لم ينظر الله إليه يوم القيامة» (٦).
يلاحظ عليه : أنّ المراد من الرّئاسة هي الإمامة بعد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ويلزم أن يكون
__________________
(١) يقال : محك الرّجل : إذا لجّ في الخصومة والمنازعة.
(٢) أي : لا يضيق صدره.
(٣) الفيء : الرّجوع.
(٤) الملل والضّجر.
(٥) نهج البلاغة قسم الرّسائل والكتب رقم ٥٣.
(٦) بحار الأنوار : ٢ / ١١٠ ح ١٦.