فإن قلت : إنّ لسان الامارة لسان الإخبار وليس لسان الجعل ، فهي حينئذ تقبل الصدق والكذب بخلاف لسان الأُصول فإنّه لسان الحكومة على أدلّة الشرائط والأجزاء ، كأصالة الطّهارة والحليّة ، فلأدلتهما حكومة على أدلّة الشرائط كقوله (عليهالسلام) : «لا صلاة إلّا بطهور» فإنّ أصالة الطهارة محققة للطهور في ظرف الشك ، والشاك بالطهارة واجد لها ، وكذلك بالنسبة لقاعدة الحل ، فإنّ المشكوك محكوم بالحلية تكليفاً ووضعاً. وعلى ضوء ذلك فالواقع باق بحاله.
قلت : هذا صحيح ومعنى ذلك أنّ الإجزاء في العمل بالأصل مدعم بدليلين الأوّل قائم بلسانه والثاني الملازمة العرفيّة القاضية باكتفاء المولى في مقام الامتثال على طبق المؤدى ، إلّا أنّ هذا الدّليل الثاني مشترك بين الأصل والامارة.
وبذلك يظهر عدم تماميّة ما أورده سيّدنا الأُستاذ (رضي الله عنه) على القائل بالإجزاء من أنّ لازم ذلك هو التناقض ببيان أنّ لازم إيجاب العمل على طبق الامارة بما أنّها كاشفة هو عدم الإجزاء ، لأنّ لازم الكشف كون الواقع هو الميزان دون مؤدّى الامارة ، وهو يناقض القول بالإجزاء الّذي مقتضاه كون المحور هو مؤدّى الامارة (١).
وجه عدم التماميّة :
أوّلاً : أنّ الكاشفيّة عن الواقع ليست علّة للأمر بالعمل بها ، حتى يدور الحكم مدار وجودها وعدمه. بل هي من قبيل الحكمة ومصالح التشريع التي يكفي كونها موجودة في أكثر الموارد.
وإن شئت قلت : نظراً إلى أنّ الامارة مطابقة للواقع غالباً فقد دعا الشارع إلى اعتبارها مطلقاً سواء وافقت الواقع أم خالفته.
__________________
(١) تهذيب الأُصول للشيخ الأُستاذ ـ تقريراً لأبحاث الإمام الخميني (رضي الله عنه) : ١ / ١٩١ ، بتصرّف.