فالفاء ـ كما قال شراحه ـ سببية ، لأن تشكله يتسبب عن قوته وقدرته على الخوارق. أو عاطفة على (عَلَّمَهُ) أي علمه على غير صورته الأصلية ، ثم استوى على صورته الأصلية.
وقيل : (استوى) بمعنى (استولى) بقوته على ما أمر بمباشرته من الأمور ـ حكاه القاضي ـ.
قال الشهاب : الأفق الناحية ، وجمعه آفاق. والمراد الجهة العليا من السماء المقابلة للناظر ، لا مصطلح أهل الهيئة. انتهى.
وقال ابن كثير : وقوله تعالى : (فَاسْتَوى) يعني جبريل عليهالسلام ـ قاله الحسن ومجاهد وقتادة والربيع بن أنس (وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى) يعني جبريل استوى في الأفق الأعلى. قاله عكرمة وغير واحد.
ثم قال ابن كثير : وقد قال ابن جرير هاهنا قولا لم أره لغيره ، ولا حكاه هو عن أحد. وحاصله أنه ذهب إلى أن المعنى فاستوى ، أي هذا الشديد القوى وصاحبكم محمد صلىاللهعليهوسلم ، بالأفق الأعلى ، أي استويا جميعا بالأفق الأعلى ، وذلك ليلة الإسراء ـ كذا قال ـ ولم يوافقه أحد على ذلك. ثم شرع يوجه ما قاله من حيث العربية فقال : وهو كقوله : (أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا) [النمل : ٦٧] ، فعطف بالآباء على المكنيّ في (كُنَّا) من غير إظهار (نحن) فكذلك قوله : (فَاسْتَوى وَهُوَ). قال : وذكر الفراء عن بعض العرب أنه أنشده :
ألم تر أن النّبع يصلب عوده |
|
ولا يستوي والخروع المتقصّف |
وهذا الذي قاله من جهة العربية متجه ، ولكن لا يساعده المعنى على ذلك ، فإن هذه الرؤية لجبريل لم تكن ليلة الإسراء ، بل قبلها ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم في الأرض ، فهبط عليه جبريل عليهالسلام ، وتدلى إليه ، فاقترب منه وهو على الصورة التي خلقه الله عليها ، له ستمائة جناح. ثم رآه بعد ذلك نزلة أخرى عند سدرة المنتهى ، يعني ليلة الإسراء ، وكانت هذه الرؤية الأولى في أوائل البعثة ، بعد ما جاءه جبريل عليهالسلام أول مرة ، فأوحى الله إليه صدر سورة (اقرأ) ثم فترة الوحي فترة ذهب النبيّ صلىاللهعليهوسلم فيها مرارا ليتردى من رؤوس الجبال ، فكلما همّ بذلك ناداه جبريل من الهواء : يا محمد! أنت رسول الله حقّا ، وأنا جبريل ، فيسكن لذلك جأشه ، وتقر عينه. وكلما طال عليه الأمر ، عاد لمثلها حتى تبدى له جبريل ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم بالأبطح في صورته التي خلقه الله عليها ، له ستمائة جناح ، قد سدّ عظم خلقه الأفق ، فاقترب