فيبست أوراقها وتلفت ثمارها ، ونزل بها القضاء المقدّر لهلاكها ليلا أو نهارا ، فجعلها الله تعالى كالأرض المحصودة ، لا خضرة ولا نضرة فيها ، كأن لم تنبت ، وكأنها لم تكن في حال حياة قبل ذلك ، وهذا معنى قوله تعالى : (كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) أي كأن لم تنعم ولم تنضر ولم تغر بغضارتها ، وفي تفسير أبي بن كعب : وما كنا لنهلكها إلا بذنوب أهلها.
ثم ختم الله تعالى هذا المثل الرائع بقوله : (كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) أي كهذا المثل المبيّن الذي يوضح حال الدنيا وسرعة زوالها ، نبيّن الحجج والأدلّة الدّالة على إثبات التوحيد والجزاء وكل ما فيه صلاح الناس في معاشهم ومعادهم ، لقوم يتفكرون في آيات الله ، أي يستعملون تفكيرهم وعقولهم في الاتّعاظ والاعتبار بهذا المثل في زوال الدنيا عن أهلها زوالا سريعا ، مع اغترارهم بها ، وتمكّنهم من خيراتها ، علما بأن من طبع الدنيا الهرب ممن طلبها ، والطلب لمن هرب منها.
والغرض الواضح من هذه الآية التحذير من الاغترار بالدنيا ، إذ هي معرّضة للتّلف والزّوال بموت أو غيره من رزايا الدنيا. وخصّ المتفكّرين بالذّكر تشريفا للمنزلة ، وليقع التّسابق إلى هذه الرتبة. فجدير بكل عاقل ألا يغتر بالدنيا ، فإنها غرّارة زائلة ، وليبادر إلى اغتنام أيام عمره فيها ، فيعمل العمل الصالح ، ويصحح العقيدة ، ويؤمن بالله حقّ الإيمان ، وينفع نفسه وأمّته ووطنه ، ويخلّد سمعة طيبة إما بكلمة طيبة ، أو بخير يفعله ، أو منع من شرّ يدمّر حياته وحياة غيره.
التّرغيب في الجنّة والتّرهيب من النّار
لم يترك القرآن المجيد خيرا إلا دعا إليه جميع البشر في كل زمان ومكان ، ولم ير في شيء شرّا إلا حذّر منه ونفّر ، وأعلن وأنذر ، وجعل القرآن غاية للخير ومقصدا عامّا