الماء فيحلله) ولا نقول إن جميع الشهب تنقضّ لهذا السبب ، بل منها ما ينقضّ لأسباب أخرى. كاجتذاب بعض الأجرام السماوية له. ومنها ما ينقض لإهلاك الشياطين ، كما بينّا هنا. والشياطين مخلوقة من مواد غازية كانت ملتهبة (وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ) [الحجر : ٢٧] والمراد (بالسماء الدنيا) في هذه الآية الفضاء المحيط بنا القريب منا. أي هذا الجوّ الذي نشاهده وفيه العوالم كلها. أما ما وراءه من الجواء البعيدة عنا ، التي لا يمكن أن نصل إليها بأعيننا ولا بمناظيرنا ، فهو فضاء محض لا شيء فيه. فلفظ (السماء) له معان كثيرة كلها ترجع إلى معنى السموّ. وتفسّر في كل مقام بحسبه.
ثم قال : فكل مسألة جاء بها القرآن حق ، لا يوجد في العلم الطبيعيّ ما يكذبها. لأنه وحي الله حقا ، والحق لا يناقضه الحق (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [فصلت : ٥٣].
وقال أيضا : يعتقد الآن علماء الفلك أن أكثر الشهب تنشأ من ذوات الأذناب. ويحتمل أن بعضها ناشئ من بعض الشموس المنحلّة ، أو الباقية الملتهبة ، أو من براكين بعض السيارات ، أو مما لم ينطفئ من السيارات للآن. ومتى علمنا أن ذوات الأذناب والسيارات جميعا مشتقة من الشموس ، كان مصدر جميع الشهب هو الشموس أو النجوم.
(قال) : وهذا يفهمنا معنى هذه الآية. اه كلامه.
ونظير هذه الآية قوله تعالى : (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ) [الملك : ٥] ، وقوله عزوجل : (وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ) [الحجر : ١٦ ـ ١٨] ، وقوله سبحانه إخبارا عن الجن : (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً) [الجن : ٨ ـ ٩].
القول في تأويل قوله تعالى :
(فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ) (١١)
(فَاسْتَفْتِهِمْ) أي فاستخبر مشركي مكة (أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً) أي أقوى خلقة