فهذا مشبه في إقراره على كفره ، باستقرار من هوت به الريح إلى واد سافل فاستقرّ فيه. ويظهر تشبيهه بالاستقرار في الوادي السحيق ، الذي هو أبعد الأحباء عن السماء ، وصف ضلاله بالبعد في قوله تعالى : (أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) [إبراهيم : ٣] ، و (ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً) [النساء : ١٦٧] ، أي صمموا على ضلالهم فبعد رجوعهم إلى الحق فهذا تحقيق القسمين والله أعلم. انتهى كلامه.
ولا يخفى أن في النظم الكريم مساغا له. إلا أنه لا قاطع به. نعم ، هو من بديع الاستنباط ، ورقيق الاستخراج. فرحم الله ناسجه.
قال ابن كثير : وقد ضرب تعالى للمشركين مثلا آخر في سورة الأنعام. وهو قوله تعالى : (قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا ، قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى) [الأنعام : ٧١] الآية.
القول في تأويل قوله تعالى :
(ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) (٣٢)
(ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ) أي علائم هدايته ، وهو الدين. أو معالم الحج ومناسكه. أو الهدايا خاصة ، لأنها من معالم الحج وشعائره تعالى. كما تنبئ عنه آية (وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) [الحج : ٣٦] ، وهو الأوفق لما بعده. وتعظيمها أن يختارها عظام الأجرام حسانا سمانا ، غالية الأثمان. ويترك المكاس في شرائها. فقد كانوا يغالون في ثلاث ويكرهون المكاس فيهن : الهدي والأضحية والرقبة.
وعن سهل (١) : كنا نسمن الأضحية في المدينة وكان المسلمون يسمنون. رواه البخاريّ.
وعن أنس (٢) : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ضحى بكبشين أملحين أقرنين. رواه البخاريّ
__________________
(١) أخرجه البخاري في : الأضاحي ، ٧ ـ باب في أضحية النبي صلىاللهعليهوسلم ، بكبشين أقرنين.
(٢) أخرجه البخاري في : الأضاحي ، ٧ ـ باب في أضحية النبي صلىاللهعليهوسلم ، بكبشين أقرنين. حديث رقم ٢٢١١. وأخرجه مسلم في : الأضاحي ، حديث رقم ١٧.