القول في تأويل قوله تعالى :
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) (١٨)
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) بيان لعظمته تعالى وانفراده بألوهيته وربوبيته. بانقياد هذه العوالم العظمى له ، وجريها على وفق أمره وتدبيره. فالسجود فيها مستعار من معناه المتعارف ، لمطاوعة الأشياء له تعالى ، فيما يحدث فيها من أفعاله ، ويجريها عليه من تدبيره وتسخيره لها. ووجه الشبه الحصول على وفق الإرادة من غير امتناع منها فيهما. وقوله (وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) إما معطوف على ما قبله ، إن جوز استعمال اللفظ المشترك في مفهوميه جميعا ، فيكون السجود في الجمادات الانقياد ، وفي العقلاء العبادة. أو مبتدأ خبره محذوف. أو فاعل لمضمر ، إن لم يجوز ذلك. وقوله تعالى :
(وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ) أي من الناس. أي بكفره واستعصائه (وَمَنْ يُهِنِ اللهُ) أي بأن كتب عليه الشقاوة حسبما علمه من صرف اختياره إلى الشر (فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ) أي يكرمه بالسعادة (إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ).
القول في تأويل قوله تعالى :
(هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ) (١٩)
(هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) يعني فريق المؤمنين وفريق الكافرين المنقسم إلى الفرق الخمس المبينة في الآية قبل. و (الخصم) في الأصل مصدر. ولذا يوحّد وينكر غالبا. ويستوي فيه الواحد المذكر وغيره ومعنى (اختصموا في ربهم) أي في دينه وعبادته. والاختصام يشمل ما وقع أحيانا من التحاور الحقيقيّ بين أهل الأديان المذكورة ، والمعنويّ. فإن اعتقاد كل من الفريقين بحقيّة ما هو عليه ، وبطلان ما عليه صاحبه ، وبناء أقواله وأفعاله عليه ، خصومة للفريق الآخر. وإن لم يجز بينهما التحاور والخصام. ثم أشار إلى فصل خصومتهم المذكور في قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) بقوله سبحانه :