التعويل على إدراكات العقل في باب الحسن والقبح ، وأكبر دليل على كثرة الأخطاء فيه هو وقوع الاختلاف في إدراك الحسن والقبح بين النّاس ، فما داموا مختلفين في تقويم حقيقة الأفعال والأشياء من حيث الحسن والقبح ، وما داموا لا يمكن أن يكونوا مصيبين جميعا في وقت واحد ، إذن ، فلا بدّ وأن يكون فيهم المصيب ، وفيهم المخطئ ، وهذا برهان كثرة الأخطاء في إدراكات العقل العملي.
وهذا المدّعى بهذا المستوى لا يريد في المقام إنكار الحسن والقبح بما هما صفتان ذاتيتان واقعيتان في الأفعال ، قائمتان في نفس الأمر والواقع ، وإنّما يريد أن يشكّك في صلاحية العقل وفي صلاحية الكشف العقلي عن هاتين الصفتين ، باعتبار كثرة وقوع الأخطاء في إدراك العقل لصفتي الحسن والقبح ، إذن ، فتشكيك علمائنا المحدّثين إنّما هو بحسب مقام الإثبات لا الثبوت ، وهذا بخلاف تشكيك الأشعري ، فإنّه تشكيك ثبوتي لا إثباتي ، بمعنى أنّه ينكر أصل الحسن والقبح ويعتبرهما من الصفات الجعلية ، وهذا هو معنى قوله «الحسن ما حسّنه الشارع ، والقبح ما قبّحه الشارع».
إذن ، هناك تشكيكان في العقل العملي ، والكلام مع هذين التشكيكين ، تارة يكون نقضا عليها ، وأخرى حلا ، فالكلام إذن في جهتين.
١ ـ الجهة الأولى : هي أنّ هؤلاء المشكّكين بعد أن بنوا على سقوط العقل العملي في مقام الإثبات ، كما هو مقتضى التشكيك الأول ، وفي مقام الثبوت ، كما هو مقتضى التشكيك الثاني ، نقض عليهم الأعلام بأنّه يلزم من ذلك محذوران.
١ ـ المحذور الأول : هو أنّه كيف نثبت وجوب الطاعة وحرمة المعصية للشارع ، فإنّ هذا الوجوب والحرمة لا يمكن أن يكون بدوره