الأئمّة عليهمالسلام أمرونا باتباع العقل ، وحينئذ يكون ما وصلنا عن طريقهم محقّقا صغرى لتلك الكبرى ، فيشمله إطلاق الدليل أيضا وخلاصة كل ما تقدّم أنّه لا يعقل فرض القصور في الدليل العقلي من ناحية عالم الجعل ، هذا حاصل الكلام في المقام الأول من المقامات الثلاثة.
المقام الثاني :
هو في تصوير كون القصور المدّعى في الدليل العقلي من ناحية عدم صلاحيته للكشف في مقام إثبات حقيقة «ما» ، بمعنى أنّ الدليل العقلي لا يصلح لتكوين اليقين بالحكم الشرعي ، وهذا المعنى هو المناسب لظاهر جملة من كلمات المحدّثين ، خصوصا المحدّث الأسترآبادي في فوائده (١) المدنية حيث ذكر هو وغيره من المحدّثين أنّ الدليل العقلي لا يصلح التعويل عليه في مقام الكاشفية كما يذكر في هذا المقام كلمات للأسترآبادي والجزائري «ره» أثاروا فيها نقطة انّ الدليل العقلي إذا لاحظناه في حياة الإنسان ، نرى شيوع الخطأ فيه والاشتباه ، إذ كم من إنسان برهن على مدّعاه عقليا ثمّ أبطله آخر ببرهان عقلي آخر ، وقد يستثنى من ذلك جملة من فروع الرياضيات.
وقد فسّر المحدّث الأسترآبادي نفسه هذا ، بأنّ هذه الجملة من الفروع إنّما تكون مستثناة باعتبار انّ موادها قريبة من الحس ومحسوسة فلا يقع فيها الخطأ ، بينما غيرها يكثر فيها شيوع الخطأ والاشتباه كما في الفلسفة الإلهية وعلم الكلام والأصول ، ومع شيوع الخطأ فيها كيف يمكن التعويل على الدليل العقلي.
وكأنّ التعويل في نظر هؤلاء لا يكون إلّا على الحس والأمور البديهية والأولية ، وأمّا النظريات العقلية ، فلا يمكن الاعتماد على العقل فيها.
__________________
(١) الفوائد المدنية : المحدّث الأسترآبادي ، ص ٢٢٠.