الأول : الاستغراقية في عالم الامتثال ، بمعنى انّ الطبيعة المنهي عنها يتوقف امتثالها خارجا على ترك تمام أفرادها ، بخلاف الطبيعة المأمور بها ، فإنّه يكفي في امتثالها الإتيان بفرد واحد منها :
الثاني : الاستغراقية بحسب عالم الحكم ، ومعناه ، انّ الحكم يتعدد بتعدد أفراد الطبيعة ، وفي مقابله البدلية ، ومعناها انّ الحكم واحد له امتثال واحد ، وعصيان واحد.
وحينئذ نقول : إنّ النقض ، إن كان بالمعنى الأول للاستغراقية ، أي الاستغراقية بلحاظ عالم الامتثال ، فهذه الاستغراقية إنّما هي بحكم العقل القاضي بأن ترك الطبيعة المنهي عنها لا يكون إلّا بترك جميع أفرادها ، كما ذكر صاحب الكفاية.
وإن كان النقض بالاستغراقية بالمعنى الثاني. أي بلحاظ عالم الحكم ، بحيث لو قال المولى : «لا ترسم خطا» ، فرسمنا ثلاث خطوط ، نكون قد استحققنا ثلاث عقابات ، وذلك لتعدّد العصيان.
فجوابه : إنّ الاستغراقية في عالم النهي إنّما كانت بواسطة قرينة خارجية انضمّت إلى الدليل فأوجبت ظهورا عرفيا فيه ، وتلك القرينة هي ، غلبة كون المفسدة انحلالية ، إذ هذا هو الذي أوجب ذلك الظهور ، حيث لم ينشأ هذا الظهور من نفس الكلام.
وبهذا تتضح النكتة في انسلاخ اسم الجنس عن قابليته للتعين في الإطلاق الشمولي عند دخول تنوين التنكير عليه.
ومنه يتّضح انسلاخه عن قابليته للتعيين في فرد مخصوص بعد دخول تنوين التنكير عليه أيضا كما في الانسلاخ الثاني ، ففي قوله تعالى : (وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى) ، فإنّه هنا لا يمكن أن يريد من لفظ «رجل» شخصا معيّنا ، لا بمعنى انّه ليس للمتكلّم نظر إلى شخص معيّن ، بل بمعنى انّه من ناحية الكلام يجب أن لا يعيّن شخصا ، فهو غير متعيّن كلاما لا في نفس