مثل أن يقال : إنّ
ملاقاة النار متمّمة لاقتضائها للإحراق ، لأنّ الملاقاة تحصّص النار ، ذلك لأن
النار الملاقية غير النار غير الملاقية ، فالملاقاة من عوارض النار وشئونها ،
فيمكن أن تكون متمّمة لاقتضاء النار ، وهذا بخلاف طلوع الفجر ، فإنه ليس من
محصّصات الشوق الكامل الموجود في عالم النفس حتى يتمّم فاعلية المقتضي.
وأمّا كونه ساقطا
إذا قيل بأن الشرط يتمم قابلية القابل : ذلك لأن القابل في المقام هي القوى
العضلية ، والقوى المنبثة فيها ، وهذه القوى قابليتها للتحرك تامة بالفعل ، وليس
طلوع الفجر دخيلا في قابليتها للتحرك ، حتى يلزم من تأخره وتعليقها عليه ، عدم
التحرك.
وعليه ، فلا
استحالة في تخلّف الشوق الكامل عن متعلّقه ، لأن مثل هذا المتعلق يخضع لقوانين
طبيعية خارجة عن اختيار النفس.
وأمّا بيان
المدّعى في المقدمة الثانية فهو أن يقال : إنّ الإرادة التشريعية كذلك ، لا يتخلّف
فيها المراد عن الإرادة.
ومن الواضح أنه
ليس المراد من هذه المقدمة ، أن كل إرادة تشريعية لا بدّ وأن يوجد مرادها ، وإلّا
لو كان هذا هو المراد في هذه المقدمة ، إذن لما وجد عاص في الخارج ، وإنما المقصود
في هذه المقدمة ، بيان الضعف والقصور في الإرادة التشريعية عن الإرادة التكوينية ،
حيث أن الإرادة التكوينية متجهة نحو تحريك نفس المريد بلا واسطة ، بينما الإرادة
التشريعية متوجهة نحو تحريك عضلات غير المريد ، ومن هنا نشأ ضعف الإرادة التشريعية
عن الإرادة التكوينية.
لكن إذا فرضنا أن
غير المريد منقاد للمريد انقيادا كاملا ، ولا يتخلف عن إرادات مولاه ، حينئذ تكون
عضلاته كأنها عضلات مولاه ، وهذه الواسطة قد فرغنا عنها بافتراض الانقياد ، وحينئذ
يصحّ القول إذن ، بأنّ الإرادة التشريعية في حق العبد المنقاد لمولاه انقيادا
كاملا ، لا يتخلّف مرادها عنها.