المبرهن على أخذه في المادة ببرهان كالقرينة المتصلة ، فحينئذ لا يكون تقييد الهيئة تصرفا في إطلاق المادة ، بل يكون تخصّصا بالنسبة إلى إطلاق المادة ، لأن إطلاق المادة هو من أول الأمر ساقط عن كل ما هو قيد للهيئة ببرهان عقلي كالمتصل ، فإذا تقيّدت الهيئة ثبت بذلك أن هذا مصداق من مصاديق ذلك العنوان الذي تبرهن تقيّد المادة به ، وهذا معنى أن تقيّد الهيئة يكون بالنسبة إلى إطلاق المادة تخصّصا لا تخصيصا وتقييدا زائدا ، والخروج التخصّصي ليس محذورا زائدا ، وإنما الزائد هو الخروج التخصيصي.
وبعبارة أوجز يقال : بأنّ تقييد المادة بعد تقييد الهيئة ليس مخالفة ، لأنه تقيّد وليس بتقييد ، تخصّص وليس بتخصيص ، لأن إطلاق مادة كل أمر مقيّدة لبا بكل قيود الوجوب ، فإذا قيد الوجوب في مورد ، فقد تحقّق صغرى ذلك المقيّد اللبي الكلّي ، ولا يكون تقييدا جديدا في المادة ، إذن فهذا التقريب غير مقرّب.
التقريب الثالث : هو أن التعارض بين إطلاق الهيئة وإطلاق المادة فرع العلم الإجمالي بأحد التقيدين : تقيّد إطلاق المادة أو تقيّد إطلاق الهيئة ، مع أنّ هذا العلم الإجمالي بالتقييد منحل إلى العلم التفصيلي بالتقيد في جانب المادة ، ومن ثمّ الشك البدوي بالتقيّد في جانب المادة ، وذلك ، لأنّ التقييد إن كان منصبا على المادة ، إذن فالواجب مقيّد ، وإن كان منصبا على الهيئة فهو يسري إلى المادة لا محالة ، لأن الواجب يتقيّد بكل قيد تقيّد به الوجوب ، إذن ففي جميع الأحوال ، المادة معلومة التقيّد إمّا ابتداء أو سراية.
وهذا معنى انحلال العلم الإجمالي بالتقيّد في أحدهما ، والعلم التفصيلي في جانب المادة ، والشك البدوي بالتقيّد في جانب الهيئة ، فيتمسّك بالإطلاق في جانب الهيئة بلا معارض.
وبتعبير آخر يقال : إن التعارض بين الإطلاقين ، فرع العلم الإجمالي برجوع القيد إلى أحدهما ، مع أنّ هذا العلم الإجمالي منحل إلى العلم التفصيلي بتقييد المادة ، وعدم شمولها للحصة الفاقدة للقيد ـ أي : الصدقة قبل