النقطة الثانية
لا بدّ من تشخيص ما هو مقتضى الفطرة السليمة ، وحاصل الكلام في ذلك ، أنّ الفطرة السليمة ، تحكم أن الإمكان الذاتي للشيء ، لا يكفي مصحّحا لوجوده ، بل لا بدّ من مصحح وراء الإمكان ، وهناك أمران ، لو ثبتا ، لرأى العقل والفطرة السليمة ، صلاحيّتهما للتصحيح.
الأول : العلة الموجبة ، فإنها تكفي للتصحيح في المقام ، لأنها توجب خروج الممكن ، عن تساوي الوجود والعدم ، وترجيح أحد الطرفين على الآخر ، فيوجد.
الثاني : هو السلطنة ، فلو وجدت ذات في العالم ، أو خارجه ، لها سلطنة ، فإن هذه السلطنة بمفردها ، مصحّحة بحسب الفطرة السليمة ، لصدور الفعل ، وذلك ، إن السلطنة التي هي مفهوم ثالث وراء الإمكان والوجوب ، تشترك مع الإمكان ، في شيء ، وتمتاز عنه في شيء آخر ، وتشترك مع الوجوب ، في شيء ، وتمتاز عنه ، في شيء آخر.
أمّا اشتراك السلطنة مع الإمكان الذاتي ، هو أنّ نسبتها إلى الوجود والعدم ، على حد واحد ، فكما أن الإمكان الذاتي ، نسبته إلى الوجود والعدم ، إلى الفعل والترك ، على حد واحد ، فكذلك السلطنة.
وأما جهة امتياز السلطنة ، عن الإمكان الذاتي ، هو أنّ في الإمكان ، لا بدّ من ضم مصحّح لأحد الطرفين ، لكي يوجد ، لأنّ الإمكان وحده لا يكفي لتحقق أحد الطرفين بالبداهة والفطرة ، وأما السلطنة فيستحيل أن تفرض فيها إضافة ، لكي يتحقق أحد الطرفين ، لأن ذلك خلف مفهوم السلطنة ، إذ بعد أن تفرض السلطنة ، يستحيل أن تضم إلى أحد الطرفين ضميمة ، لكي يوجد الفعل أو الترك ، لأن معنى هذا أنه ليس هناك سلطنة ، لأن معناها ، أن «له أن يفعل وله أن يترك» وهذا بخلاف الإمكان ، فإن فرض ضم ضميمة إليه لكي يفعل أو يترك لا يخرج الإمكان عن كونه إمكانا.