وإذ كان أولياء الله هم (المؤمنون المتقون) فبحسب إيمان العبد وتقواه تكون ولايته لله تعالى ،. فمن كان أكمل إيمانا وتقوى ، كان أكمل ولاية لله. فالناس متفاضلون في ولاية الله عزوجل ، بحسب تفاضلهم في الإيمان والتقوى ، وكذلك يتفاضلون في عداوة الله بحسب تفاضلهم في الكفر والنفاق.
وأولياء الله على طبقتين : سابقون ومقربون وأصحاب يمين مقتصدون ، ذكرهم الله في عدة مواضع من كتابه العزيز. فالأبرار أصحاب اليمين ، هم المتقربون إلى الله بالفرائض ، يفعلون ما أوجب الله عليهم ، ويتركون ما حرم الله عليهم ، ولا يكلفون أنفسهم بالمندوبات ، ولا الكفّ عن فضول المباحات. وأما السابقون المقربون ، فتقربوا إليه بالنوافل بعد الفرائض ، ففعلوا الواجبات والمستحبات ، وتركوا المحرمات والمكروهات ، فلما تقربوا إليه بجميع ما يقدرون عليه من محبوباتهم ، أحبهم الرب حبّا تاما ، كما قال تعالى (١) : «ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنّوافل حتّى أحبّه» يعنى الحب المطلق.
ثم إذا كان العبد لا يكون وليّا لله إلا إذا كان مؤمنا تقيّا ، لهذه الآية ـ فمعلوم أن أحدا من الكفار والمنافقين لا يكون وليّا لله. وكذلك من لا يصح إيمانه وعباداته ، وإن قدر أنه لا إثم عليه ، مثل أطفال الكفار ، ومن لم تبلغه الدعوة ، وإن قيل إنهم لا يعذبون حتى يرسل إليهم رسولا ، فلا يكونون من أولياء الله ، إلا إذا كانوا من المؤمنين المتقين. فمن يتقرب إلى الله. لا بفعل الحسنات ولا بفعل السيئات ، لم يكن من أولياء الله.
وكذلك المجانين والأطفال ، فإن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال (٢) : رفع القلم عن ثلاثة : عن المجنون حتى يفيق ، وعن الصبيّ حتى يحتلم ، وعن النائم حتى يستيقظ. وهذا الحديث قد رواه أهل السنن من حديث عائشة رضي الله عنها ، واتفق أهل المعرفة على تلقيه بالقبول. ولكن الصبي المميّز تصح عباداته ، ويثاب عليها عند جمهور العلماء ، وأما المجنون الذي رفع عنه القلم ، فلا يصح شيء من عباداته باتفاق العلماء ، ولا يصح منه إيمان ولا كفر ولا صلاة ولا غير ذلك من العبادات ، بل لا يصلح هو ، عند عامة العقلاء ، لأمور الدنيا. كالتجارة والصناعة. فلا يصح أن يكون بزازا ولا
__________________
(١) أخرجه البخاريّ في : الرقاق ، ٣٨ ـ باب التواضع ، حديث ٢٤٤٠.
(٢) أخرجه البخاريّ في : الحدود ، ٢٢ ـ باب لا يرجم المجنون والمجنونة ، وقال عليّ لعمر : أما علمت أن القلم رفع عن المجنون حتى يفيق وعن الصبيّ حتى يدرك وعن النائم حتى يستيقظ.