والمعقب العون. لأنه إذا أبصر هذا ذاك ، فلا بدّ أن يبصر ذاك هذا ، فتصير بصيرة كل واحد منهم معاقبة لبصيرة الآخر ، فهذه المعقبات لا تخلّص من قضاء الله ومن قدره! وهم وإن ظنوا أنهم يخلصون مخدومهم من أمر الله ومن قضائه ، فإنهم لا يقدرون على ذلك البتة! والمقصود من هذه الجملة : بعث السلاطين والأمراء والكبراء على أن يطلبوا الخلاص من المكاره ، عن حفظ الله وعصمته ، ولا يعوّلوا في دفعها على الأعوان والأنصار ، ولذلك قال تعالى بعد : (وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً ...) الآية.
الثاني : قدمنا أنّ الضمير في (لَهُ مُعَقِّباتٌ) لمن أسرّ أو جهر .. إلخ. وأرجعه بعضهم لله ، وما بعده (لمن). قال الشهاب : فيه تفكيك للضمائر من غير داع. وقيل : الضمير (لمن) الأخير ، وقيل : للنبيّ لأنه معلوم من السياق.
الثالث ـ أشار الرازي في معنى الآية الأشهر إلى سرّ اختصاص الحفظة ببني آدم ، ما ملخّصه : إنهم يدعون إلى الخيرات والطاعات بما يجده المرء من الدواعي القلبية إليها ، وإن الإنسان إذا علم أن الملائكة تحصي عليه أعماله كان إلى الحذر من المعاصي أقرب. لأن من آمن ، يعتقد جلالة الملائكة وعلوّ مراتبهم ، فإذا حاول الإقدام على معصية واعتقد أنهم يشاهدونها ، زجره الحياء منهم عن الإقدام عليها ، كما يزجره عنه إذا حضره من يعظّمه من البشر. وإذا علم أن الملائكة تحصي عليه تلك الأعمال ، كان ذلك أيضا رادعا له عنها. وإذا علم أن الملائكة يكتبونها كان الردع أكمل.!
(إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ) أي : من العافية والنعمة (حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) أي : من الأعمال الصالحة أو ملكاتها ، التي هي فطرة الله التي فطر الناس عليها إلى أضدادها (وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً) أي : لسوء اختيارهم واستحقاقهم لذلك (فَلا مَرَدَّ لَهُ) أي : فلا ردّ لقضائه فيهم (وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ) أي : يلي أمرهم فيدفع عنهم السوء الذي أراده الله بهم بما قدمت أيديهم من تغيير ما بهم. وفيه دلالة على أن تخلف مراده تعالى محال. وإيذان بأنهم بما باشروه من إنكار البعث واستعجال السيئة واقتراح الآية. قد غيروا ما بأنفسهم من الفطرة ، واستحقوا لذلك حلول غضب الله تعالى وعذابه ـ أفاده أبو السعود.
تنبيه :
في هذه الآية وعيد شديد وإنذار رهيب قاطع ، بأنه إذا انحرف الآخذون بالدين والمنتمون إليه عن جادته المستقيمة ، ومالوا مع الأهواء ، وتركوا التمسك بآدابه