قوله تعالى : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).
أي : إنّ الله تعالى لا يهدي ولا يوفق من أعرض عن الحق بعد وضوح الحجة فيتركهم إلى أنفسهم فهم ظلموا أنفسهم بسوء اختيارهم واتخذوا سواء الجحيم بدلا عن الصّراط المستقيم.
ومن ذكر الوصف (الظَّالِمِينَ) يستفاد أنّ العلة في عدم الهداية هو الظلم ، وهذا مما يؤكده القرآن الكريم في موارد كثيرة لأنّه أقوى وأغلظ حجاب بين النفس الإنسانية والمعارف الربوبية كما تقدم بيانه.
٢٥٩ ـ قوله تعالى : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها).
مادة (خوى) تأتي بمعنى الخلاء والسقوط ، وترك ما بين الشيئين خاليا ، يقال : خوى بطنه عن الطعام أي خلا بطنه ، وخوى النجم أي سقط ، وفي الحديث «كان عليّ (عليهالسلام) إذا سجد يتخوّى كما يتخوّى البعير الضامر» أي يتجافى جميع أجزاء بدنه في السجود يعني لا يلصق أجزاء بدنه بعضها ببعض ولا بالأرض الا المساجد السبعة.
والعرش : كلّ مرتفع أظلّ الإنسان من سقف أو بيت ، أو كرم ، والتعريش جعل الخشب تحت الكرم ، بل كلّ بناء عرش ، وعريش مكة أبنيتها والعرش ـ بالضم ـ عرق في أصل العنق.
وهذه الجملة أي (خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) قد ذكرت في مواضع من القرآن الكريم ، والكلّ تكون كناية عن الخلو من الأهل.
وأما لفظ. (خاوِيَةٌ) في قوله تعالى : (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) [الحاقة ـ ٧] فهي بمعنى ساقطة.
والجملة تحتمل معنيين : الأول ـ سقوط السقوف وانهدام الحيطان عليها. والثاني ـ سقوط السقوف وبقاء الحيطان ، ومن يستظلّ بالحيطان دون السقوف وكلّ منهما صحيح وواقع في الخارج ومشاهد في الدور الخربة والقرى المندرسة.