وفي الحديث (١)(لا رهبانية في الإسلام). وقوله تعالى (أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) قال الرازي : الأكثرون من المفسرين قالوا : ليس المراد من الأرباب أنهم اعتقدوا فيهم أنهم آلهة العالم ، بل المراد أنهم أطاعوهم في أوامرهم ونواهيهم ، أي لما روى الترمذي (٢) عن عدي بن حاتم قال : أتيت النبيّ صلىاللهعليهوسلم وفي عنقي صليب من ذهب ، فقال : يا عدي! اطرح عنك هذا الوثن. وسمعته يقرأ في سورة براءة (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) قال : أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه ، وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه.
وروى الإمام أحمد والترمذي (٣) وابن جرير (٤) من طرق ، عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه لما بلغته دعوة رسول الله صلىاللهعليهوسلم فرّ إلى الشام ، وكان قد تنصر في الجاهلية فأسرت أخته وجماعة من قومه ، ثم منّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، على أخته ، وأعطاها ، فرجعت إلى أخيها ، فرغّبته في الإسلام ، وفي القدوم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقدم عدي المدينة ، وكان رئيسا في قومه طيئ ، وأبوه حاتم الطائي المشهور بالكرم ، فتحدث الناس بقدومه ، فدخل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وفي عنق عدي صليب من فضة ، وهو يقرأ هذه الآية (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) قال : فقلت : إنهم لم يعبدوهم ، فقال بلى إنهم حرّموا عليهم الحلال ، وأحلوا لهم الحرام ، فاتبعوهم ، فذلك عبادتهم إياهم. وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : يا عدي! ما تقول؟ أيضرك أن يقال : الله أكبر؟ فهل تعلم شيئا أكبر من الله؟ ما يضرك أن يقال : لا إله إلا الله ، فهل تعلم إلها غير الله؟ ثم دعاه إلى الإسلام فأسلم وشهد شهادة الحق.
__________________
(١) أخرج الإمام أحمد في المسند ٣ / ٨٢ ضمن حديث طويل عن أبي سعيد الخدريّ .. وعليك الجهاد فإنه رهبانية الإسلام.
وبالصفحة ٢٦٦ من هذا الجزء عن أنس بن مالك «لكل نبيّ رهبانية ورهبانية هذه الأمة الجهاد في سبيل الله».
وبالصفحة ٢٢٦ من الجزء السادس عن عائشة «يا عثمان! إن الرهبانية لم تكتب علينا ...» وجاء في مسند الدارمي في : النكاح ، ٣ ـ باب النهي عن التبتل ، عن سعد بن أبي وقاص «يا عثمان! إني لم أومر بالرهبانية».
(٢) أخرجه الترمذي في : التفسير ، ٩ ـ سورة التوبة ، ١٠ ـ حدثنا الحسين بن مرثد الكوفي.
(٣) أخرجه الترمذي في : التفسير ، ٩ ـ سورة التوبة ، ١٠ ـ حدثنا الحسين بن مرثد الكوفيّ.
(٤) تفسير الطبري ١٠ / ١١٤.