عرا عنه. كما أن الأصوات والروائح لا تمدح بمنع إمكان رؤيتها ، لكونها
مقرونة بسمات النقص.
قال : والحق أن
امتناع الشيء لا يمتنع التمدح بنفيه ، إذ قد ورد التمدح بنفي الشريك ، ونفي اتخاذ
الولد في القرآن ، مع امتناعهما في حقه تعالى. انتهى.
ووافقه حسن
حلبي في (حواشي شرح المواقف) ، لكنه أجاب بأن المدح بجهة لا يقتضي الكمال من جهات
أخر ، وكذا النقصان من جهة لا ينافي المدح بغيرها. انتهى.
وأجاب قره خليل
بوجوه :
الأول ـ أن
مراد ذلك المستدل هو الإلزام على المعتزلة ، لا تحقيق الاستدلال على جواز الرؤية.
الثاني ـ أن
مبنى كلامه على العرف واللغة ، فإن أهلهما إذا أرادوا مدح شيء يقولون هذا الشيء
مما لا تدركه الأبصار ، أو مما لا تراه العيون ، مع أنها مما تدركه عادة. فهذا
القول منهم يدل على إمكان رؤية ذلك الشيء عادة ، بل على وقوعها أيضا. بخلاف
الأصوات والروائح ونحوها ، فإنها ليست مما تدركه الأبصار عادة ، فلا يحسن مدحها
بعدم إدراك الأبصار ، أو بعدم رؤيتها. نعم! إذا أرادوا مدح الأصوات يقولون : لم
تسمعها أذن ، وإذا أرادوا مدح الروائح ، يقولون : لم يشمها أنف.
الثالث ـ إنا
قلنا : إن نفي الرؤية في مقام المدح يدل على إمكان الرؤية ، ولم نقل إن نفي كل شيء
في مقام المدح يدل على إمكان ذلك الشيء ، حتى يرد علينا النقض بنفي الشريك ، أو
بنفي اتخاذ الولد في مقام المدح ، مع أن إمكان المنفي في صورة النقض نقص ينافي
الألوهية ، وإمكان المنفي فيما نحن بصدده ليس نقصا ، بل هو كمال. انتهى.
قال حسن حلبي :
إن قيل : يلزم على ثبوت التمدح بنفي الرؤية ، تعززا وتمنعا ، أن لا يزول ، لأن
زوال ما به التمدح نقص ، فيلزم أن لا يرى في الآخرة. والجواب : أن ذلك فيما يرجع
إلى الصفات. والتمدح بنفي الرؤية يرجع إلى التمدح بخلق ضدها ، وهو من قبيل الأفعال
، كما أن خلق الرؤية أيضا منها. انتهى.
وقد بيناه أولا
، وسيأتي لذلك تتمة شافية إن شاء الله تعالى عند قوله سبحانه (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى
رَبِّها ناظِرَةٌ) ، مما هو أعظم حجة ، وأوضح برهانا ، والله الموفق.