الحديث : نحن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر ، وقال (١) صلىاللهعليهوسلم : «إنكم تختصمون إليّ ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض. فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه ، فإنما أقطع له قطعة من النار» ، فالأنبياء قالوا : لا علم لنا البتة بأحوالهم. إنما الحاصل عندنا من أحوالهم هو الظن. والظن كان معتبرا في الدنيا. وأما الآخرة فلا التفات فيها إلى الظن. لأن الأحكام في الآخرة مبنية على حقائق الأشياء وبواطن الأمور. فلهذا السبب قالوا : لا علم لنا. ولم يذكروا ما معهم من الظن. لأن الظن لا عبرة به في القيامة. والله أعلم.
الثالث : دلت الآية عل جواز إطلاق لفظ (العلّام) عليه. كما جاز إطلاق لفظ (الخلّاق) عليه. وأما العلّامة فإنهم أجمعوا على أنه لا يجوز إطلاقه في حقه. ولعل السبب ما فيه من لفظ التأنيث. أفاده الرازيّ.
على أن المختار أن أسماءه تعالى توقيفية.
القول في تأويل قوله تعالى :
(إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ)(١١٠)
(إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ) شروع في بيان ما جرى بينه تعالى وبين واحد من الرسل المجموعين ، من المفاوضة ، على التفصيل. إثر بيان ما جرى بينه تعالى وبين الكل على وجه الإجمال ، ليكون ذلك كالأنموذج لتفاصيل أحوال الباقين. وتخصيص شأن عيسى عليهالسلام بالبيان ، تفصيلا بين شؤون سائر الرسل عليهمالسلام ، مع دلالتها على كمال هول ذلك اليوم ونهاية سوء حال المكذبين بالرسل ـ
__________________
(١) أخرجه البخاري في : الشهادات ، ٢٧ ـ باب من أقام البينة بعد اليمين ، حديث ١٢١٢ عن أم سلمة.
وأخرجه مسلم في : الأقضية ، حديث ٤ و ٥ و ٦.