اللغات يقال عن الأرض أنها بكر ، أى بخيرها لم ينتقص منها منتقص ، ويقال «الدرّة البكر» أى التى لم تثقب ، فالبكارة إذن من المحاسن ، وهى مطلب المسلم الذكى ، وكما تكون فى الأنثى فهى فى الذكر ، وتعنى العفة ، وأنه لم يسبق أن عرف امرأة ، وبالمعنى الأوسع أنه على فطرة الصفاء والنقاء التى خلقه بها الله ، فلم تنحرف به الخبرات ، ولم تفسده على نفسه ويصاب منها بالعقد. وبكارة المسلم والمسلمة هى إذن أغلى ما يعتزان به من الأملاك الخلقية والخلقية. وفى التوراة البكر مفضّلة على الثيب (الخروج ٢٢ / ١٧) ، وفى الإنجيل أن من يتزوج مطلقة فقد زنا (متى ١٩ / ٩) ، وبالاختصار : فإن الزواج بالبكر أجلى للدين ، وأطوع للحكمة. فهكذا يعلمنا القرآن.
* * *
١٦٤٨ ـ هل تتزوج الصغيرة من الرجل الكبير؟
المشهور أن الرسول صلىاللهعليهوسلم تزوج عائشة وكان عمرها دون العاشرة أو أكثر من العاشرة ، وإن كان واقع الحال يثبت غير ذلك ، وأنها كانت فى الثانية عشرة أو أكثر. وكان الرسول صلىاللهعليهوسلم وقت أن تزوج عائشة فى نحو الثالثة والخمسين ، فهل يسوغ ذلك جواز الصغيرة من الكبير؟ قيل : هذا شىء مخصوص بالنبىّ صلىاللهعليهوسلم وبأحوال ذلك الزمان ، وقد عرف مثل هذا الزواج فى سائر الديانات ، وتحفل أسفار التوراة بحكايات من ذلك ، فالنبىّ إبراهيم عليهالسلام كان عمره ستا وثمانين سنة حين بنى بهاجر وكانت بكرا لم تعرف الزواج ، وصغيرة السن خرقاء ، وتزويج لمّا تجاوز المائة من العذراء قطورة ، وأنجب منها ستة أولاد. وتأخر زواج النبىّ إسحاق إلى الأربعين ، وكانت رفقة زوجته بكرا لم تتجاوز الثالثة عشرة ، ولم يتزوج ابنه عيسو إلا فى الأربعين ، وكانت زوجتاه يهوديت وبسمة صغيرتين ؛ وكذلك تزوج النبىّ يوسف ابنة فوطيفار الأشورى وعمره ثلاثون سنة ، بينما كانت هى فى العاشرة أو نحوها ، ولم تنجب إلا بعد سبع سنوات ؛ وتزوج داود وهو شيخ طاعن فتاة فى عمر حفيداته ، ومن ذلك الكثير فى التوراة وعند شعوب أوروبا وآسيا.
وفى الإسلام يجوز أن يخطب الكبير الصغيرة ، وإنما لا يمكّن منها إلا بعد أن تحيض وتصلح للوطء. ولم تتزوج عائشة من الرسول صلىاللهعليهوسلم إلا بعد أن رأت أمها أنها حاضت ، ولم يرد عن عائشة أى حديث عن بلوغها مبلغ النساء وهى فى بيت الرسول صلىاللهعليهوسلم ، فلا بد أن الحيض جاءها قبل ذلك وكان إيذانا بصلاحيتها للزواج. ولم يحدث أن تزوج الرسول صلىاللهعليهوسلم بكرا إلا عائشة ، وأما بقية زوجاته فكانت أصغرهن صفية بنت حيى فى السابعة عشرة