والحمد مدح ، والمدح مكروه إلا لله ، فقد افتتح كتابه بالحمد ولم يأذن بذلك لغيره فقال : (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى) (٣٢) (النجم) ، وقال نبيّه : «احثوا فى وجوه المدّاحين التراب» أخرجه مسلم.
وقوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) جعل الحمد له من نفسه قبل أن يحمده أحد من العالمين ، فقد كان محمودا فى الأزل بلا علّة ، وأما أن يحمده خلقه فإنما بالعلل. ولمّا علم سبحانه عجز الناس عن حمده ، حمد نفسه بنفسه ولنفسه ، فاستفرغ طوق الناس لعجزهم عن حمده. والنبىّ صلىاللهعليهوسلم قد أظهر العجز عن حمده فقال : «لا أحصى ثناء عليك» أخرجه أحمد. فلما علم سبحانه كثرة نعمه على عباده ، وعجزهم عن حمده ، حمد نفسه عنهم فأسقط عنهم ثقل المنّة. فأين هذه الفلسفة للحمد لله عند اليهود والنصارى؟
والحمد لله بضم الدال ، وبعضهم قال بنصبها ، ومن قال بالنصب كما لو كان هناك فعل مضمر ، وأما بالرفع فمبتدأ وخبر ، وفائدة الخبر أنك تخبر بأنك والخلق جميعهم تحمدون الله ، ومن ينصب الحمد يخبر أن الحمد منه وحده لله ، والراجح أنه تعالى مدح نفسه لنفسه ليعلّم عباده ، فالمعنى : قولوا الحمد لله. فالحمد لله أن كان كتابنا القرآن لا مثيل له فى أىّ من الملل ، ويبطل الزعم أن القرآن يأخذ من التوراة والأناجيل!
* * *
١٠٩. الاستعاذة من فرائد القرآن
فى القرآن ترد مادة العوذ سبع عشرة مرة ، منها (وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ) (٢٠) (الدخان) ، و (قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا) (١٨) (مريم) ، (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ) (٩٧) (المؤمنون) ، و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) (١) (الفلق) ، و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) (١) (الناس) ، و (يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً) (٦) (الجن) ، (وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) (٣٦) (آل عمران) ، (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٢٠٠) (الأعراف) ، (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) (٩٨) (النحل) ، و (قالَ مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (٢٣) (يوسف). فهذه صيغ الاستعاذة أو العياذة بالله كما فى القرآن ، والمعنى فيها جميعا اللجوء إلى الله ، ولا شىء من ذلك البتة فى اليهودية ولا فى النصرانية ، وليس صحيحا ما قاله المستشرقون أن القرآن أخذ الاستعاذة من هاتين الديانتين. والعوذة ، والمعاذة ، والتعويذ ، كلها بمعنى ، وأكثر الاستعاذة من الشيطان ، نقول «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» ،