والحياتان : الأولى فى الدنيا ، والثانية بعد البعث. ولقد كفروا فى الحياة الأولى برغم كل الدلائل على وجود الله ، وعلى وحدانيته ، وعلى البعث والحساب والثواب والجزاء ، وأنّى للكافر أن يتّعظ ويتوب؟! مع أنه تعالى يرعاهم خير الرعاية ، ويرزقهم خير الرزق! وأما المؤمن الشاكر فذلك الذى يدعوه مخلصا له دينه ، وهو الله أولا وأخيرا ، له الدرجات الرفيعة ، والعرش العظيم ؛ وهو ينزل وحيه على من يشاء من عباده ويرسله ينذر يوم التلاق : وهو اسم ليوم القيامة ، سمّى كذلك لأن الناس فيه يلتقون ويبرزون ، لا يخفى على الله منهم أحد ، وله حينئذ الملك ، وهو الواحد القهّار ، لا يشاركه أحد فى ملكه ، وهو قهّار لأنه عزيز كما جاء فى أول السورة ، ويقهر بالغلبة كل ما سواه. واسم يوم القيامة أيضا : يوم الآزفة من أزف الوقت يعنى قد حان ، والآزفة هى الساعة قد دنت ، وحينئذ يقضى الله تعالى بالحق ، فهل يقضى به من يدعون دونه؟ ودلائل وجوده وقدرته تحفل بها الأرض ، وكم من الأمم والأقوام كانوا أكثر قوة ولهم الآثار الجليّ ، فما كان لهم من الله من واق. وتضرب السورة المثل للكفّار بموسى وقوم فرعون ، فلما عتى قوم فرعون ، أرسل لهم موسى ، واحتمى فرعون من سلطان موسى بقومه ، وانتحى الطغاة : فرعون وهامان وقارون ، والأول من دهاقين أهل السياسة وطواغيتهم ، والثانى من دهاقين الحرب ، والثالث من دهاقين المال والاقتصاد ، وبات الأمر سجالا بين الطرفين ، طرف موسى يمثّل الحقّ ، وطرف فرعون وهامان وقارون ، وبدا كأن كفة هؤلاء الطغاة الدهاقين هى الراجحة ، وبدا كأن السورة قد شحنت بالعنف والشدّة ، وكأننا قد صرنا فى معركة ، الطعان فيها سجال ، وأن الأمر وإن طال فحتما سيسفر عن نتيجة معروفة مقدما ، تنتصر فيها السياسة والعسكرية والمال ، إلا أن الله كان مع موسى الداعى له ، وأسفرت المعركة عن مصارع الطغاة. وتدخل رجل مؤمن ، يريد أن ينتصر لموسى ، ويهدى قومه ، ودفاع المؤمن كان خير دفاع عن قضية الحق ، ونجّى الله موسى وقومه ، وغرق آل فرعون فهم فى النار ، يعرضون عليها غدوا وعشيا إلى يوم الساعة ، وفيه الناس فريقان ، ففريق فى النار ، وفريق فى الجنة ، والأولون هم المستكبرون ، والآخرون هم المستضعفون ، وتخلص السورة إلى أن الجدل فى الله يردى أصحابه ، ويخاطب الله نبيّه صلىاللهعليهوسلم أن يترك الجدل ، وينحّيه جانبا ، وأن يصرف عنه أصحابه ، وأن يكونوا على اليقين بأن كل البراهين تثبت وجوده وقدرته تعالى ، وهو الله الخالق الذى لا إله إلا هو ، قرّ الأرض ، وبنى السماء ، وصوّر الناس ، ورزق الطيبات ، فتبارك الله. وتختتم السورة بالأمر للنبىّ صلىاللهعليهوسلم وللمؤمنين بالصبر ، فإن وعد الله حق ، وكل الأنبياء لاقوا العنت ، وصبروا. وليست قصة موسى ، ولا مؤمن آل فرعون إلا