سبعون ، وفى السنة الثانية عشرة ـ أى بعد وفاة الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وفى يوم اليمامة أحصى من قتل من الحفاظ فقيل بلغوا سبعين ، وقيل أكثر من ذلك حتى الخمسمائة .. وفى الحرب بين علىّ والخوارج ، وبينه وبين معاوية ، قتل الآلاف من الحفاظ. وقد هال الرسول صلىاللهعليهوسلم ذلك فى حياته ، وهال أبا بكر وعمر وعثمان وعليا بعد وفاته ، وبعد أن كان الرسول صلىاللهعليهوسلم قد قال : «لا تكتبوا عنى» ـ يقصد الحديث ، «ومن كتب غير القرآن فليمحه ، وحدّثوا عنى فلا حرج ، ومن كذب علىّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» مخافة أن يلتبس ما يقوله من حديث ويختلط بالقرآن ، رأى عثمان أن يجمع القرآن من الآحاد ، فمن الممكن أن يحفظ هذا آيات لا يحفظها ذاك ، أو ينسى أحدهم ، ووحّد عثمان المصحف مشتملا على كل ما عند الحفّاظ الثقاة ، بشرط أن يجمع الغالبية عليه ، وجعله مصحفا إماما تستنسخ عنه المصاحف ، ويبعث بها إلى أقطار الإسلام ، ووضع عثمان بذلك أساس علم جديد هو «علم رسم القرآن» أو «علم الرسم العثمانى». فهذه حكاية جمع القرآن ، فلم يحدث أن تخلّف المسلمون عن حفظه وكتابته ، ولم تكن هناك فترة زمنية بين النزول وبين التدوين ، كما فى التوراة ـ فقد كانت الفترة بينهما فى التوراة نحو ٣٥٠ سنة ـ أو كما فى الأناجيل ـ وقد كان هناك ما بين ثمانين سنة إلى مائة سنة وعشرين. ولم يقل بالقرآن آحاد كما فى التوراة والأناجيل ، ولم يدوّنه أناس نكرات لا نعلم عنهم شيئا كما فى التوراة والأناجيل ، وإنما كل صحابى من الحفّاظ له تاريخه المرصود ، وسيرته المحفوظة ، وعنعنت رواياته ، وقورنت بالآخرين ، ولم يرصد من كل الروايات فى كتاب واحد إلا المجمع عليه والمتواتر. فمن يتهم المسلمين بأنه قد سقط من كتابهم شىء ، أو حرّف منه شىء ، فهو حاسد حقود متخرّص ، قاتل الله المتخرّصين.
* * *
٢٧. عدد مصاحف عثمان
قيل : إن عثمان استنسخ ستة مصاحف : المكى ، والشامى ، والبصرى ، والكوفى ، والمدنى العام للناس كلهم ، والمدنى الخاص لنفسه ـ وهو المسمى بالمصحف الإمام. وقيل مصاحف عثمان ثمانية : الكوفى ، والبصرى ، والشامى ، والمدنى العام ، والمدنى الخاص ، والمكى ، ومصحف البحرين ، ومصحف اليمن. وقيل إنه أنفذ إلى مصر مصحفا. وقيل إنه مع كل مصحف أنفذ من يوافق قراءته ، فكان زيد بن ثابت يقرئ أهل المدينة ، وعبد الله بن السائب لأهل مكة ، والمغيرة بن أبى شهاب لأهل الشام ، وعبد الرحمن السلمى لأهل الكوفة ، وعامر بن عبد القيس لأهل البصرة. وقرأ أهل مصر على التابعين ممن قرءوه على الصحابة ، ثم تخصّص قوم فى القراءات فنسبت إليهم.
* * *