ذلك. والآية من خير ما يتمثل به المسلمون فى مثل هذه المواقف ، فيقولون
لصاحب الاتجاهين والمتراوح بين الأمرين : ما جعل الله لرجل من قلبين فى جوفه.
* * *
٢٧٢. هل كان النبىّ صلىاللهعليهوسلم
أفاكا؟ وهل كتابه القرآن ليس سوى أساطير؟
كان النبىّ صلىاللهعليهوسلم منذ بداية المبعث أفاكا عند اليهود العرب ، واتهمه أهل
الكتاب فى أوروبا منذ بداية العصور الوسطى بالإفك ، وما يزال أفّاكا عند مفكرين من
أمثال رودنسون اليهودى ، وقد تناول القرآن ذلك فى سورة الفرقان ، قال : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا
إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً
وَزُوراً) (٤) ، وكنا عند ما نقرأ هذه الآية نحسب أن ما يقولون به هو نفسه ما كان
يظنه الأولون فى النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، وعجبنا أن يذهب إلى نفس المذهب رغم الفارق الزمنى ،
المحدثون من الأوروبيين ، ورغم مقالة القرآن فيمن رأى رأيهم ، قال : (جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً). والإفك : هو الكذب ، والحديث الإفك : هو الذى لا أصل
صحيحا له. وأول من قال ذلك فى النبىّ صلىاللهعليهوسلم : النضر بن الحرث ، ورغم أنه عربى وابن خالة النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، إلا أن ثقافته لم تكن عربية ، وكان يقرأ بالفارسية ،
وقرأ تاريخهم فى الحيرة ، وكان أول من غنّى على العود بألحان فارس. ولمّا أظهر
النبىّ صلىاللهعليهوسلم الإسلام وتلا على الناس القرآن ، كان الشّرك الفارسى
مستحكما فيه ، فبادر النصّ القرآنى بالعداء ، واختصمه ، وهزأ به ، وندّد بالقرآن ،
وتزعّم معسكر المخالفين ، وكان صاحب لواء المشركين فى بدر ، وكان النبىّ صلىاللهعليهوسلم إذا جلس مجلسا للتذكير بالله والتحذير من مثل ما لحق
الأمم الخالية من نقمة الله تعالى ، جلس النضر بعده فحدّث بأخبار ملوك فارس ورستم
وإسفنديار ، يقول : أنا أحسن من محمد حديثا ، وهو فى حديثه لا يأتيكم إلا بأساطير
الأولين! ـ ونحن كثيرا ما نسمع اليوم مثل ذلك النقد للقرآن. وقيل إن المسلمين لما
أسروا النضر ، قتلوه صبرا بعد انصرافهم من بدر ، فقالت ابنته قتيلة :
ما كان ضرّك
لو منيت ، ربما
|
|
منّ الفتى
وهو المغيظ المحنق
|
تريد بذلك لوم
النبىّ صلىاللهعليهوسلم على قتله ، وقال الجاحظ : إنها استوقفته وهو يطوف
بالكعبة ، وجذبت رداءه حتى انكشف منكبه ، وأنشدته أبياتها هذه ، فرقّ لها حتى دمعت
عيناه ، وقال : لو بلغنى شعرها قبل أن أقتله لوهبته لها! ـ والجاحظ كاذب ، فلا
وجود لقتيلة التى أطلق عليها اسم ليلى ابنة النضر ، ولا قتيلة هذه قالت شعرا فيه ،
والقصيدة كلها ملفقة ، وشعرها مصنوع ، والنضر لم يقتل صبرا وإنما أصابته جراح ،
وامتنع عن الطعام والشراب لا يتناوله من أيدى المسلمين ، فمات! ـ وقيل : إنما
قتيلة كانت أخت النضر ، والنضر لم يكن