يا إمام المتّقين
، لقد كنت من أعظم الرابحين بمرضاة الخالق العظيم ، فقد رفعت منذ نعومة أظفارك
كلمة الله ، وجاهدت في سبيله كأعظم ما يكون الجهاد فحطّمت الأصنام ، وطهرت الأرض
من أوثان الجاهلية ، وبذلت روحك ـ بسخاء ـ للدفاع عن رسول الله صلىاللهعليهوآله فبت على فراشه
ووقيته من شرك الأوغاد ، ولو لا جهادك وجهاد أبيك أبي طالب لما أبقى القرشيّون
ظلاّ للإسلام ، وقضوا عليه منذ بزوغ نوره.
يا إمام الموحّدين
، لقد فزت وانتصرت وخسر خصمك ابن هند ، فأنت وحدك حديث الدهر مهما تطاولت لياليه
أياما ، وها هو معاوية لا يذكر إلاّ بالخيبة والخسران ، فقد قذف في مزبلة التأريخ
تلاحقه أعماله التي سوّد بها وجه التاريخ.
وعلى أي حال فإنّه
حينما اذيع النبأ المؤلم باغتيال الإمام سارع الناس إلى الجامع ، فوجدوا الإمام
طريحا في محرابه ، وهو يلهج بذكر الله تعالى قد نزف دمه ، وانهارت قواه ، واصفرّ
لونه ، ثمّ حمل إلى داره والناس خلفه قد عجّوا بالبكاء والنحيب ، قد أخذتهم
المائقة ، وهم يهتفون بذوب الروح قائلين بأسى وألم :
قتل إمام الحقّ
والعدل ...
قتل أبو الضعفاء
وأخو الغرباء ...
قتل أبو اليتامى
والمساكين ...
واستقبلته مخدّرات
الرسالة بالصراخ والعويل ، فأمرهنّ الإمام بالخلود إلى الصبر ، والرضا بقضاء الله
تعالى ...
وكان من أشدّ أبنائه لوعة الإمام الحسن
الزكي ريحانة رسول الله صلىاللهعليهوآله
، فنظر إليه الإمام فقال له بلطف :
«
يا بنيّ ، لا تبك فإنّك تقتل بالسّمّ ، ويقتل أخوك بالسّيف ».
وتحقّق ما أخبر به
وصيّ رسول الله صلىاللهعليهوآله وباب مدينة علمه ، فلم تمض الأيام