والتشبيه. ومع ذلك ، فإذا طالعت النصوص الواردة في كتاب الله وسنة رسوله أجدها نصوصا تشير إلى حقائق هذه المعاني. وأجد الرسول صلىاللهعليهوسلم قد صرح بها مخبرا عن ربه ، واصفا له بها. ثم لا أجد شيئا يعقب تلك النصوص ويؤولها كما تأولها هؤلاء الفقهاء المتكلمون. ثم قال : والذين أولوا ما أولوا ، هو أنهم ما فهموا في صفات الرب إلا ما يليق بالمخلوقين. فلذلك حرفوا الكلم عن مواضعه ، وعطلوا ما وصفه الحق به نفسه. ولو علموا أن هذه الصفات هي كلها ثابتة له ، كما يليق بجلاله وعظمته ، لا على ما نعقل من صفات المخلوقين ، لسلموا من التشبيه والتأويل المؤدي إلى التعطيل.
ثم قال : ومسألة الحرف والصوت تساق هذا المساق. فإن الله تعالى قد تكلم بالقرآن المجيد بجميع حروفه. فقال تعالى : (المص) [الأعراف : ١]. وقال : (ق ، وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) [ق : ١]. وكذلك جاء في الحديث (١) : فينادي يوم القيامة بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب. وفي الحديث : لا أقول (آلم) حرف ولكن ألف حرف ، ولام حرف ، وميم حرف. فهؤلاء ما فهموا من كلام الله إلا ما فهموه من كلام المخلوقين. قالوا : إذا قلنا بالحرف فإن ذلك يؤدي إلى القول بالجوارح واللهوات. وكذلك إذا قلنا بالصوت أدى ذلك إلى الحلق والحنجرة. فعملوا بهذا من التخبيط كما عملوا فيما تقدم من الصفات. والتحقيق هو أن الله تعالى تكلم بالحروف كما يليق بجلاله وعظمته فإنه قادر ـ والقادر لا يحتاج إلى جوارح ولا إلى لهوات. وكذلك له صوت يليق به يسمع. ولا يفتقر ذلك الصوت المقدس إلى الحلق والحنجرة. فكلام الله كما يليق به ، وصوته كما يليق به. ولا ننفي الحرف والصوت عن كلامه سبحانه ، لافتقارهما منا إلى الجوارح واللهوات. فإنهما في جناب الحق لا يفتقران إلى ذلك. وهذا ينشرح الصدر له ويستريح الإنسان به من التعسف والتكلف بقوله : هذا عبارة عن ذلك. فإن قيل : هذا الذي يقرؤه القارئ هو عين قراءة الله وعين تكلمه هو؟ قلنا : لا. بل القارئ يؤدي كلام الله. والكلام إنما ينسب إلى من قاله مبتدئا ، لا إلى من قاله مؤدّيا مبلغا. ولفظ القارئ في غير القرآن مخلوق ، وفي القرآن لا يتميز اللفظ المؤدّي عن الكلام المؤدّى عنه. ولهذا منع السلف من قول
__________________
(١) أخرجه البخاري في : التوحيد ، ٣٢ ـ باب قول الله تعالى : (وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ). ونصه : عن جابر عن عبد الله بن أنيس قال : سمعت النبيّ صلىاللهعليهوسلم يقول : يحشر الله العباد فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب : أنا الملك ، أنا الديّان.