وقد ثبت في الصحيحين (١) عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ثلاثة يؤتون أجورهم مرتين ، فذكر منهم رجلا من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي ـ أفاده ابن كثير ـ.
ثم إن الإخبار ، في آخر الآية ، بكونه تعالى : (سَرِيعُ الْحِسابِ). كناية عن كمال علمه بمقادير الأجور ومراتب الاستحقاق ، وأنه يوفّيها كل عامل على ما ينبغي ، وقدر ما ينبغي. ويجوز أن يكون كناية عن قرب إنجاز ما وعد من الأجر لكونه من لوازمها. ولكونه من لوازمها أشبه التأكيد ، فلذا لم يعطف عليه ـ والله أعلم ـ.
القول في تأويل قوله تعالى :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٢٠٠)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا) أي على مشاق الطاعات وما يمسكم من المكاره والشدائد (وَصابِرُوا) أي غالبوا أعداء الله في الصبر على شدائد الجهاد. لا تكونوا أقل صبرا منهم وثباتا. ولمصابرة باب من الصبر. ذكر بعد الصبر على ما يجب الصبر عليه ، تخصيصا ، لشدته وصعوبته ـ كذا في الكشاف ـ (وَرابِطُوا) أي أقيموا على مرابطة الغزو في نحر العدوّ بالترصد والاستعداد لحربهم ، وارتباط الخيل. قال الله تعالى : (وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ) [الأنفال : ٦٠] ، والرباط في الأصل أن يربط كل من الفريقين خيولهم في ثغره ، وكل معدّ لصاحبه ، ثم صار لزوم الثغر رباطا. وربما سميت الخيل أنفسها رباطا ، وقد يتجوّز بالرباط عن الملازمة والمواظبة على الأمر ، فتسمى رباطا ومرابطة.
قال الفارسيّ : هو ثان من لزوم الثغر ، ولزوم الثغر ثان من رباط الخيل. وقد
__________________
(١) أخرجه البخاريّ في : العلم ، ٣١ ـ باب تعليم الرجل أمته وأهله ، حديث ٨٢ ونصه : عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثلاثة لهم أجران : رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد صلىاللهعليهوسلم. والعبد المملوك إذا أدى حق الله وحق مواليه. ورجل كانت عنده أمة فأدبها فأحسن تأديبها ، وعلمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوجها ، فله أجران».
وأخرجه مسلم في : الإيمان ، حديث ٢٤١.